من يقول الناس أنى هو – الأب وليم سيدهم
أراد يسوع أن يضع النقاط فوق الحروف ففى جو أورشليم و الجليل حيث توقعات اليهود بمجئ المسيح كانت على أشدها أراد يسوع الناصرى أن يتعرف على رأى الناس و رأى تلاميذه هويته.
فنقل التلاميذ له رأى الشارع اليهودى و قتها فقالوا البعض يقول أنك إيليا و البغض يقول إنك إرميا و البعض يقول أنك واحد من الأنبياء.
وإذا فسرنا الثلاث آراء سنجد أن النبي إيليا كان يعتبر في العهد القديم أهم الأنبياء و خير من يمثلهم لما قام به من دفاع عن صورة الأنبياء بقتله لكل الأنبياء الكذبة بالإضافة إلى أنه صعد الى السماء على مركبة من نار و كان يتردد بين اليهود أن ايليا سيسبق المسيح ليعد له الطريق. أما ارميا فهو الوحيد بين الانبياء الذى لم يتزوج و عاش دعوته فى عراك مستمر مع معاصريه حول رفضهم لشريعة الله. ثم أنه أقرب وجه للمسيح. كما كانت صورة المسيح المنتظر فى بعض الأوساط التى لم يذكرها التلاميذ هى صورة داوود المللك الذى على غراره سيقيم المسيح المنتظر مملكته. نرى ذلك فى أعمال الرسل و التلاميذ يسألون يسوع : ” يَا رَبُّ، هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟” أو في انجيل لوقا الذى صرح فيه تلميذا عماوس بأنهم فجعوا فيما حدث للمسيح من صلب و هم الذين كانوا يظنون أنه سيعيد المُلك لإسرائيل في وسط هذه الأجواء أراد المسيح أن يصحح المفاهيم حول هويته و أن يشرح لتلاميذه مضمون رسالته و الهدف من تجسده على الأرض.
و كان الشق الثانى من السؤال موجه لتلاميذه : وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟” فرد بطرس بشكل فورى سابقاً كل التلاميذ كالمعتاد في ردود أفعاله و على غرار تلاميذ مدارس الاحد الذين يرددون الجُمل التى تشرح العقائد المسيحية دون أن يفهموها قال بطرس أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ! و لكن يسوع وجد في هذا الرد إجابة صحيحة فأثنى على بطرس و شرح له أن هذا الرد ليس منه شخصياً و لكن : “طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ” و هنا يعيد المسيح الكلمات التى جاءت فى انجيل يوحنا على لسانة : “لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي” .
كما أن هذا الاعلان يتسق مع ما جاء فى ارميا النبي : ” أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا.
و أى مسيحى اليوم يوجه إليه هذا السؤال : من هو المسيح في نظرك؟
ووسط كل الآلهة الحديثة الاستهلاكية و مفهوم السعادة الذى تمحور على الخيرات المادية التى حلت محل الله. ووسط كل الايدلوجيات المادية و الاشتراكية و الليبرالية يظهر يسوع غريبا مطروداً من مجتمعاته الكنسية و لم يبقي منه الا القشور : الطقوس و الكلمات المجردة و الذكريات المؤلمة.
ونسأل أنفسنا هل مازال المسيح هو الاول في حياتنا ؟ هل هو الذى يُعطى معنى لصبرنا و عطائنا و تضحاياتنا و جروحنا و آلامنا . أم توارث صورته ما وراء السوبر ماركت و كرنفال الأزياء و السيارات الفارهة و الطائرات المطرزة بالذهب و الماس.