من ينقذني من جسد الموت – الأب وليم سيدهم
في أحد النصوص النادرة يعترف القديس بولس مباشرة بالصراع الذي يدور بداخله، مثله مثلنا بين الرغبة في عمل الخير وبين الرغبة في عمل الشر، فيقول “ايها الأخوة، إني أعلم أن الصلاح لا يكن في السكن في جسدي، فالرغبة في الخير هي باستطاعتي، أما فعل الخير فلا، لأن الخير الذي أريده لا افعله والشر الذي لا أريده اياه افعل، فإذا كنت أفعل ما لا أريده فلست أنا أفعل ذلك بل الخطيئة الساكنة فيّ، فأنا الذي أريد فعل الخير أجد هذه الشريعة وهي أن الشر باستتطاعتي واني اطيب نفسًا بشريعة الله، من حيث أني إنسان مدرك، ولكنني أشعر في أعضائي بشريعة أخرى تحارب شريعة عقلي، وتجعلني أسيرًا لشريعة الخطيئة، تلك الشريعة التي هي في أعضائي، ما اشقاني من إنسان، فمن لي بمن ينقذني من هذا الجسد الذي مصيره الموت؟ الحمدلله بربنا يسوع المسيح.
هذا الاعتراف الصريح بضعفه وبالصراع الذي يدور في باطنه هو الواقع الذي نعيش فيه كل يوم، فنحن نرغب ونؤمن أن تجاوز هذا الصراع الوجودي لا يمكن أن يتم إلا بنعمة الله، ولذلك نجد بولس يتحدث مرارًا وتكرارًا في رسائله بيسوع المسيح مخلصًا من هذا التناقض بين ما نريد وما نفعل، ففي شهادة أخرى يصرخ بولس قائلًا: “مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟” (رو 8: 35).
موضحًا لنا، أنه رغم هذا الضعف إلا أن رغبته العميقة ودوافعه الباطنية، تغلب محبة المسيح على محبة الشهوة مهما كانت نوعها، سواء شهوة المال، شهوة السلطة أم شهوة الجنس، ويضيف بولس الرسول في مكان آخر: “فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. (غل 2: 20).
ويستشهد بولس بإيمان ابينا ابراهيم الذي حُسب له برًا، وبين إيماننا الذي غالبًا ما يستند إلى قوة أعمالنا، فبولس يرى ابراهيم نموذجًا للمسيحي المؤمن إذ يعتمد على قوة الله وليس على قواه الذاتية التي إختبرها في حياته الشخصية حيث يصرخ بولس الرسول: “وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟” (رو 7: 24).
ونحن في سعينا اليومي لعمل “مشيئة الله” في حياتنا اليومية نصارع مع انفسنا لكي نغلب شريعة الله الباطنية على شريعة جسدنا التي تناقض مشيئة الله.
اللهم ارحمنا من ضعف انفسنا، وإملأنا بنعمتك وبروحك القدوس حتى نختار طريق الحياة وننبذ شريعة الموت.