ويبنون البيوت الخربة – الأب وليم سيدهم
ويبنون البيوت الخربة
هناك أناس تبني وهناك أناس تهدم، وما عالمنا إلا بناء وهدم ومن أسباب الهدم والخراب هي الحروب بين الدول والمنازعات بين العائلات وبين الأفراد.
وبين هذا الكر والفر ظهرت منذ فجر التاريخ فئة من الناس اتخذت رسالة لها هي البناء وتعمير البيوت الخربة وأشهر من بنى هو القديس فرنسيس الأسيزى.
وظهرت في العالم منذ فترة طويلة نزعة فنية وثقافية أطلقت على نفسها “الفنانون المستقلون” وانتشرت هذه النزعة وصارت كالموضة يقوم فيها الفنانون خاصة المسرحيون بتعمير الخرائب التي خلفتها الحروب في أوروبا وجعلوا فيها مساحات للإبداع والخلق من مسرح وسينما ورسم وموسيقي، هؤلاء الأشخاص من كل لون ودين ومازالوا يبحثون دائمًا عن الأماكن الخربة ليجعلوا منها منارة للثقافة والفنون.
والكتاب المقدس يغبط دعاة البناء وبعد السبي البابلي وخراب الهيكل الأورشليمي دعا الأنبياء اليهود لإصلاح ما تهدم وتعمير البيوت التي خربها الغزاة. وهكذا نحن المؤمنين مدعويين للبناء والتعمير وليس للهدم والخراب.
أذكر مثلًا واحدًا من بين أمثلة كثيرة قام فيها المثقفون بتحويل مثل هذه الخرائب في مصر إلى ثورة للنور ولاتنوير، هذا ما فعله المرحوم الأخ فايز سعد اليسوعي حينما حوَّل أرض الجراج الملاصق لدير الآباء اليسوعيين في الأسكندرية إلى مركز ثقافي تصدح فيه الموسيقى ويلتقي الشباب والشابات في المعارض الفنية والمسرحيات من ممثلين من مختلف دول العالم والسينما وصناعة الأفلام.
نعم، نحن جميعًا مدعوون إلى إصلاح البيوت الخربة. مدعوون في بلادنا التي يسكنها الجهل وتكثر فيها الخزعبلات وإستقلال الدين لتعمية الناس بدل من تنويرها، نحن مدعوون أن نحث الشباب والشابات على البناء، على الإبداع وعلى جعل مئات وآلاف من طاقات النور تنتشر في وطننا العريق.
”ويبنون البيوت الخربة” إن البناء والتعمير في إيماننا المسيحي لا يقتصر على بناء الكنائس فقط، فإيماننا يجعل من كل واحد منا هيكلًا للروح القدس كما قال بولس الرسول ولمدة أكثر من ثلاثمائة عام بعد ظهور وانتشار المسيحية كانت العبادة تتم في المنازل والمقابر، فالعبرة ليست في بناء الكنائس بل في بناء البشر وجعلهم أنفسهم هياكل يسكنها روح الله.
ويقول المرنم “إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلًا يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ، فَبَاطِلًا يَسْهَرُ الْحَارِسُ.” (مز 127: 1) لنبني ونشيد منارات وبيوتًا تفيض بالسلام والفرح والمصالحة وكفانا إنعزالًا وإعتزالًا للمجتمع فنحن أبناء النور.