stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

يد الله ويد الإنسان

1.5kviews

313

الأب روماني أمين اليسوعي

لا يوجد إنسان لم يعش مشكلة ما، أو ليس لديه مشكلة. فالمشكلة هي واحدة من سمات الحياة، ما دام هناك تعامل بين الناس، بعضهم مع بعض، وبين الناس والأشياء الاخرى: كالاّلة، المواصلات، الطعام، المرض، المال، العمل… وكلما تقدمت المدنية، زادت المشكلات وتعقدت.

يقول علماء النفس والاجتماع أن “المشكلة” تتواجد كلما كان الموقف الذي تجتازه في الوقت الحالي، مختلفاً عن موقف أخر تريده أو هدف تأمله. فإذا كنت جائعاً مثلاًأو تحتاج الذهاب إلى موقع عملك أو مكان دراستك، فأنت أذاً في “مشكلة”! ويتضمن حل أي مشكلة، الخروج من حال إلى حال. فعندما تجد طعامك أو تتجه بنفسك إلى وسيلة للمواصلات تسير بك إلى مقصدك، فأنت هنا تحل مشكلاتك.

والأن، استعرض مع نفسك نشاطات يومك وسيدهشك أن تكتشف أنك تقوم بحل العديد من المشكلات التي تجابهك في كل يوم.

– المشكلات التي يواجهها الناس ليست جميعها متشابهة. فهناك مشكلات عامة يشترك فيها كل الناس، كالحروب والأوبئة. وهناك مشكلات خاصة يواجهها أعداد محدودة من البشر، كالكساد التجاري أو الحوادث، كما أن هناك مشكلات فردية بحتة يواجهها فرد بعينه وأمثلتها كثيرة.

ومن المشكلات ما هو وقتي عابر، يظهر فجأة ثم يزول. ومنها ما هو متوطن لزج، ثقيل الظل، يخيم على الناس جيلاً بعد جيل.غير أن المشكلات يمكن أن تصنف حسب أسبابها ونتائجها .

فهناك مشكلات يصنعها الإنسان للإنسان:فمنذ البدء أيضاً يتقاتل الإخوة، ويتشاحن الأقرباء، ويتنافس الزملاء، وتتصارع الأمم، وتتحارب الدول، فينتج الخراب والتمزق والتشرد والدمار والموت، مع ما يترتب على ذلك من ملايين المشكلات لملايين البشر!

وهناك مشكلات الصراع الداخلي – صراع الإنسان مع ذاته:ففي داخل الإنسان، تتصارع رغبات كثيرة، وتحرك غرائز جبارة، تحاول جميعها أن تسيطر على عقل الإنسان وجسده.لذلك تختلط في نفس الإنسان مشاعر متباينة من الحب، والكراهية، والخوف، والحقد، والحنين، والتضحية… الخ.

وكثيراً ما يصيب الشلل إرادة الإنسان، الحائر بين ما ينبغي أن يعمل وما يعمله فعلاً. وفي وسط هذه الصراعات الداخلية الكثيرة، لابد أن تتعقد الأمور، وتظهر المشكلات التي ترهق النفس والعقل والجسد!

وهناك المشكلات الروحية العظمي: مشكلة عجز الإنسان عن أن يحيا ككائن روحي، مرتبط بالله في علاقة أبدية!فالإنسان مخلوق متميز، له طبيعة روحية، وله تكوين خاص يؤهله لبناء علاقة خاصة بالله الخالق. فهو لذلك لا تتوافر له أسباب الحياة السعيدة. بغير الصلة الوثيقة والارتباط الدائم باللهيتصل به، ويعيش له، ويستمد منه قوته، ويجد معه راحة القلب، ويتمم خطته في الزمن، ثم يعود في النهاية إليه.

وعلى الجانب الآخر فإن إنفصال الإنسان عن الله روحياً، وابتعاده عنه، يضعه في قلب المشكلات؛ فالابتعاد عن الله كخروج عربات القطار عن قضبانه، لابد أن يؤدي إلى ترنح الإنسان واهتزازه، ثم سقوطه ودماره.

إن الارتباط الروحي السليم بالله، هو الذي يحفظ توازننا، ويضمن سلامتنا وإذا لم يكن الله قائدنا، تقودنا قاطرة أخري هي قاطرة شهواتنا وميولنا الجسدية، فنتحول إلى عبيد لرغباتنا التي لا تشبع، واحتياجاتنا التي لا تنتهي، ونظل نصارع الحياة وتصرعنا حتى يفاجئنا الموت.

ولعل قصة الألم في عالمنا ترجع إلي هذا السببوهو عدم إدراك الإنسان لطبيعته الروحية. ولذلك يعيش ملايين الناس، وفي نفوسهم ملايين المشكلات، لأن أرواحهم لم تتصالح بعد مع الله، فتستريح بين يديه.

ولعل أم المشاكل هي بذرة الخطيئة التي زرعها الشيطان يوماً، فأصبحت غابة من الشر وستاراً فاصلاً بيننا وبين الله.ولقد أنبتت الخطيئة ثمار العار والخوف والمرض والقلق والضياع. وأوجدت الصراعات والحروب والقتل والنهب والسلب والاغتصاب. وزعزعت السلام والأمان وسكينة النفس.

لقد أصبح للإنسان أطماعاً، وأنياباً، وأظافر دامية، وشهوة شرسة؛ فصارت الحياة الإنسانية نسيجاً معقداً من المشكلات المتشابكة !إن الخطيئة هي البذرة الأولى لجميع مشاكلنا العامة، وهي الأم الحاضنة لجميع مشاكلنا الخاصة، فالمشكلات الصغيرة في البيت والعمل هي صورة مصغرة للمشكلات العظيمة بين الدول والجيوش! وجميعها ثمار مرة يتذوقها الكبار والصغار، الأفراد والجماعات.

والسماء تقدم حلاً واحداً لجميع مشاكل البشر وهو العودة إلى الله بقلب صادق.إن الله يريد لنا عالماً بلا مشكلات، وحياة بلا دموع. لكن قلوبنا ليست مستعدة بعد لسكنى السلام، وعيوننا

ليست مؤهلة للفرح. فالقلب الذي تسكنه الخطايا، يهجره السلام، وتنبت في أركانه الأشواك!

وطنى