”إبادة المسيحيين” و”ذبح الأطفال بشكل منظم”
حديث للبطريرك لويس روفائيل الأول ساكو
أجرت أليتيا مقابلة مع بطريرك بابل للكلدان غبطة البطريرك لويس روفائيل الأول ساكو للحديث عن معاناة مسيحيي شمال العراق وغيرهم من الأقليات. وهذا نص المقابلة:
غبطة البطريرك، تحدث رجل الأعمال مارك عربو إلى سي إن إن عن “إبادة المسيحيين” و”ذبح الأطفال بشكل منظم” من قبل داعش، كما أشار إلى روضة ذبُح فيها الأطفال وعُلقت رؤوسهم على العصي. هل لكم أن تؤكدوا أو تنفوا هذه الأحداث؟
ليس هناك شيء من هذا القبيل، لم تُقطع رؤوس الأطفال. سُرقت في الموصل الأموال، ولكن لم يتعرض المسيحوين لاعتداءات جسدية. كان هناك هروب جماعي وذعر كبير في سهل نينيوى، وطُرد الأشخاص مباشرةً من قراهم. سقط قتيل واحد خلال لحظات توتر بينما كان يعبر نقطة تفتيش.
هل صحيح أن مقاتلي داعش يطلبون من المسيحيين جزية لإنقاذ حياتهم، ويختطفن النساء للزواج بهن؟
هذان خبران صحيحان، لقد اختُطفت نساء مسيحيات وكانت هناك حالات طلب دفع جزية. يطلب هؤلاء المتطرفون غالباً المال من المسيحيين لتمكينهم من العودة إلى ديارهم، لكن المسيحيين لا يثقون في هذا الأمر، فهؤلاء الأشخاص قادرون على تغيير رأيهم دون توقف، غير جديرين بالثقة. قد يدفع أحد المسيحيين المال اليوم ويعود إلى بيته للعيش في سلام، بينما يعود المسلحون لمهاجمته مجدداً ولا يمكن التكهن بالعواقب.
اتهمت الحكومة جهاديي داعش السنّة بإلقاء الأيديزيين في مقابر جماعية، ومن بينهم نساء وأطفال أحياء، ماذا يمكنكم إخبارنا حول هذه القضية؟
ما حدث للأيزيديين صحيح، فقد ألقي القبض واختُطف أكثر من ألف امرأة، وقُتل الكثير من الأطفال. لا تملك هذه الأقلية الغذاء والماء، وأصبح أفرادها في عزلة عن العالم، لا يعلمون أين يمكنهم الذهب وماذا يمكنهم عمله.
في حديثه عن الأزمة العراقية قال المطران سيلفانو ماريا توماسي، مراقب الكرسي الرسولي لدى الأمم المتحدة في جنيف، أن العمل العسكري ضروري في هذه المرحلة، فما رأيكم في التدخل العسكري الأمريكي؟
لا تكفي الهجمات الجزئية. يمر حل الأزمة عبر اتفاق موسع بمشاركة الحكومة الكردية وحكومة العراق المركزية. فبدون استراتيجية شاملة لن يتحقق حلم رؤية الأشخاص يعودون إلى منازلهم.
هل يحق للمسيحيين في هذه الأوضاع تنظيم أنفسهم والدفاع عن أـنفسهم، أم تنصحونهم بالفرار فقط؟
كيف لهم أن ينظموا أنفسهم؟ فهم أولاً محدودو العدد، ما بين 400 و500 ألف. ثم أن الجزء الأكبر منهم قد هجر قراه وهم مشتتون هنا وهناك. ولو أخذنا بعين الاعتبار أعدادهم و أوضاعهم الحالية فلن يكونوا قادرين حتى على تشكيل ميليشيات بينما عليهم مواجهة متطرفين شرسين.
ما هو المشهد المتوقع خلال الأيام القادمة من وجهة نظركم؟
أخشى أن الأمور ستزداد سوءً. هناك مشكلة تتعلق باللاجئين، بحالة الطوارئ الإنسانية، وهناك مشكلة أخرى سياسية الطابع. لا أرى حتى الآن أية آفاق، على العالم بكامله التعبئة لمواجهة الوضع في العراق، وإلا فسيكون التوصل إلى حل ثابت ودائم بعيداً بشكل لا يمكن إصلاحه من وجهة نظري.
هل تستبعدون حواراً مع جهاديي داعش؟
هل لك أن تخبرني كيف يمكن التحاور مع شخص متعصب؟ لن تجد أمامك سوى الجدران. لقد حاولتُ في بداية الأزمة الحديث إلى أحدهم لكنه أمر صعب، فليست هناك ثقة، ويغيرون رأيهم بشكل متواصل.
هل هناك خطر وصول تأثير هؤلاء المتطرفين إلى بغداد؟
هناك خطر أن يجدوا تعاطفاً. من الصعب أن يصلوا حتى بغداد لكنه ليس أمراً مستحيلاً.
كيف تحاول الكنيسة الكاثوليكية تخفيف مأساة اللاجئين؟
أسسنا في كنائس البلاد كافة المدارس وأماكن المبيت وأماكن لتناول الطعام. في كل مدينة وفي كل قرية قريبة من المناطق التي هاجمها المسلحون تكتظ أماكن الاستقبال بالحضور. الحل الأفضل الآن هو نقل أكبر عدد ممكن من الأشخاص إلى بغداد، وأنا في اتصالات مع الحكومة لتحقيق هذا الأمر.
وكيف يمكن أن يتم نقلهم؟
الطرق البرية مغلقة، الطائرات هي الوسيلة الوحيدة الممكنة. لدينا هنا في العاصمة مساحات أكبر لاستضافة هؤلاء المساكين المهددين بالانهيار ما بين لحظة وأخرى. هناك من جهة أخرى المستشفيات وأماكن لعلاجهم. وصل حتى الآن 20 عائلة إلى هنا من ذلك الجحيم، لكننا نعمل على استقبال المزيد خلال وقت قصير.
وماذا يروي اللاجئون؟
استمعتُ إلى شهاداتهم، وهي شهادات مأساوية. لكني كنت على اتصال مع بعض مسيحيي تلك الأماكن خلال زيارتي أربيل والقرى التي تعرضت للهجوم. يجعلك الاستماع إليهم تشعر بالعودة إلى القرون الوسطى، يبكي قلبي لدى تذكري قصصهم الحزينة تلك، والمليئة فقط بالخوف والرعب من تعرضهم لسوء المعاملة والضرب أو القتل. لم يعد لديهم أي شيء، لا المسكن ولا موارد مالية، بعد سنوات وسنوات من التضحيات، لكنهم يخشون في المقام الأول استمرار هذه الأوضاع لفترة طويلة.
روما/ أليتيا (aleteia.org/ar)