”أما أنت فإذا دُعيت فإجلس في المقعد الأخير” الأب وليم سيدهم
لماذا هذا التواضع المزيف أغلب الأوقات حينما نُدعىفى إحتفالية سياسية أو ثقافية أو فنية ربما يكون صاحب الدعوة استعان بشركة تحضير مؤتمرات فإن إسمك سيكون مكتوب على مقعدك فى الصفوف الأولى. وهذا جيد فإن المسألة أصبحت محلولة لن تجلس في الصفوف الأخيرة و أنت جالس على نار منتظر أن يدعوك أحد إلى الصفوف الأولى التى تموت شوقاً أن تكون فيها سواء كنت وزيراً أم خفيراً ، ماسح أحذية أم رئيس قطار.
و لكن لماذا يتطرق الكتاب المقدس لمثل هذه الممارسات الإجتماعية ؟ إنه ببساطة يضفي عليها مسحة روحية خالدة مخلدة، فصاحب المقعد الأول في كل تجمع هو الله نفسه، أول البداية حينما تبدأ إحتفالات الدولة أول ما يشار إليه البداية بآيات الذكر الحكيم، القرآن الكريم و هذا جيد لولا أن ان مثل هذه الطقوس تكتسي مسحة سياسية أو دعائية لتذكير المشارك أو المشاهد أننا ناس مؤمنون و حتى لا يعايرنابعض المتحزلقين أو بعض رجال الدين النزهاء.
هكذا نرى فى الكتاب المقدس “العشار” يختار مؤخرة الهيكل ليصلى بأريحية “اللهم أرحمنى أنا الخاطى” لماذا يشعر بأنه خاطئ لأنه يعرف محدوديته وقلة حيلته فى منحنيات الحياة، و بالتالى فهو يقدر الله لأنه لم يستطع أن يبلغ الكمال فى تصرفاته، أما الفريسى نجده فى صدر الهيكل وكله ثقه بنفسه و صلاته : “اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ.أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ”.
هكذا نجد يسوع و العذراء مريم فى عرس قانا الجليل ربما لا أحد يدرى بوجودهما رغم أنهم يتفحصون كل شئ فى الفرح ليستطيعوا مد يد العون إذا كان هناك إحتياج إليهما و فعلاً حدث، الخمر نفذت فأجرى يسوع معجزة الخمر بناء على طلب مريم العذراء لم يكونا فى أول المدعويين و في صدر الكراسى الأولى التى أمام منصة العرس.
كذلك المسيح كرر مراراً التعليم لتلاميذه: “بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا” كما أن هناك تحذيراً من الإنجيل يُخطر أن : “يَكُونُ الآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالأَوَّلُونَ آخِرِينَ” و السبب معروف إن تتبدل الأماكن أو المواقف يحدث حينما يزكى الانسان نفسه على الآخرين و يعطيها تقديراً غير مطابق لواقعه الروحى أو النفسي أو الإجتماعى، فيظن أنه أكثر إستحقاقاً من الجميع فى إشغال الكرسي الأول رغم أنه ربما لا يستحق أن يجلس إلا في الخارج لعدم قدرته أو تأصله لمجالسة من اختيروا أو أرسلوا لشغل المنصب أو الكرسي .
و تعلمنا من الحياة أن أخطر الناس الذين يتبارون في شغل الكراسي الأولى هم رجال السياسة و رجال الدين.
إن يسوع المسيح فى إنجيل يوحنا يعطينا درساً عظيماً عن التواضع و ممارسة رسالته فهو يتحدث عن نفسه بصفة “مُرسل” في هذا المكان و يقدم نفسه لليهود معاصريه بصفته ما هو إلا رسول من عند الله و بالتالى فهو ينفذ وصايا و تعليمات من أرسله، وهو لا يشهد لنفسه لكن الآب يشهد له.
إننا فى هذه الحياة لأننا استقبلنا هذه الحياة من والدينا وفي النهاية من الله، فنحن لسنا بداية الكون ولا نهايته. و بالتالى فنحن مدعوون من الله إلى هذا الوجود و زودنا الله بصورته بالحق و الحرية و بالتالى فإن موقعنا سواء كان في أول الصفوف أو في آخرها هو موقع للخدمة و تمجيد الله لا أكثر و لا أقل.
حسن ربما يستحسن الناس صنيعنا فيمجدوا ابانا الذى في السموات ولكن لسنا في هذا الموقع أو في غيره لنحظى بالتصفيق المزيف فتمجيد الله هو اعتراف بالانسان الحى الذى هو نحن ، أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم .