”جئت لكى يبصر فاقدو البصر” – الأب وليم سيدهم
كثيراً ما يربط المؤمنون العاهات مثل العمى و الكساح و البرص و غيرها بخطيئة إرتكبها الوالدان أو أحدهما فى سلوكهما الشخصى. محاولين إيجاد تفسير عقابى نزل من السماء على الوالدين و رغم تقدم العلم و إكتشاف كثيراً من الأسباب التى إرتبطت بهذه الولادات المجروحة مثل زواج الأقارب أو توارث الجينات أو تسرب بعض الميكروبات أو الفيروسات إلى الجنين، إلا أن سيادة الثقافة الغيبية المرتبطة بالمعتقدات الدينية الخاطئة تدفعنا إلى ربط العاهة بالخطيئة.
و كانت هذه العقلية سائدة فى زمن المسيح لذلك نجد تلاميذ يسوع يسألونه عن “الأعمى منذ مولده” قائلين “يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟” و يأتى رد يسوع قاطعاً “لاَ هذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيه”.
ثم شرع المسيح كما كان يفعل أنبياء العهد القديم ومن كانوا يمثلون فى ذلك الوقت المتخصصين في الشفاءات إذ لم يكن الأطباء موجودين بالمعنى الذى نظنه على الطبيب الآن الذى درس التشريح و الأمراض و الفيروسات و آليات الأجهزة الدموية و التنفسية و الهضمية …. إلخ.
شرع المسيح فى محاولة فتح عينيه لترى النور و تميز بين الأشياء و أرسل إلى بركة سلوام ليغتسل كما يرسل الناس مرضاهم اليوم ليتبركوا بالأديرة مثل درنكة و جبل الطير و كنيسة العذراء بالزيتون، و ما أن سمع علماء الشريعة حتى ملأهم الغضب فهذا الأعمى ولد كله بالخطيئة و بالتالى كان عليه أن يظل أعمى نظير الخطيئة التى ارتكبها هو أو أهله.
كان يسوع يعلم جيداً أن ما يفعله من شفاءات و معجزات مُجَرّم من رؤساء الدين حافظو شريعة الله على الأرض. ولكن هذا لم يثنيه عن رسالته فى تحرير المرضي من كل نوع و البؤساء و الفقراء من كل القيود التى كانت تمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية.
إلا أن وضاعة هؤلاء العلماء جعلتهم يلجأون إلى الفقراء أنفسهم لتخويفهم من يسوع ”المخلص” و تصويره على أنه “شيطان” لا يجب القرب منه أو معاشرته.
ذهبوا إلى “الاعمى منذ مولده” بعد أن أصبح “مبصراً” بعد أن لمسه يسوع و دله على طريق الابصار ليعملوا معه تحقيقاً على غرار ما يحدث مع رجال الأمن اليوم مع المشكوك فى ولائهم للسلطة و قالوا “أَلَيْسَ هذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ وَيَسْتَعْطِي؟»آخَرُونَ قَالُوا: «هذَا هُوَ». وَآخَرُونَ: «إِنَّهُ يُشْبِهُهُ». وَأَمَّا هُوَ فَقَالَ: «إِنِّي أَنَا هُو”َ. فَقَالُوا لَهُ: «كَيْفَ انْفَتَحَتْ عَيْنَاكَ؟»أَجَابَ ذَاكَ وقَالَ: «إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ يَسُوعُ صَنَعَ طِينًا وَطَلَى عَيْنَيَّ، وَقَالَ لِي: اذْهَبْ إِلَى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وَاغْتَسِلْ. فَمَضَيْتُ وَاغْتَسَلْتُ فَأَبْصَرْتُ».فَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ ذَاكَ؟» قَالَ: «لاَ أَعْلَمُ.«
و إمعاناً فى التحقيق ذهبوا إلى والديه ليتحققوا أكثر عن هويته إلا أن والديه خافا جداً وقالا أَجَابَهُمْ أَبَوَاهُ وَقَالاَ: «نَعْلَمُ أَنَّ هذَا ابْنُنَا، وَأَنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى.وَأَمَّا كَيْفَ يُبْصِرُ الآنَ فَلاَ نَعْلَمُ. أَوْ مَنْ فَتَحَ عَيْنَيْهِ فَلاَ نَعْلَمُ. هُوَ كَامِلُ السِّنِّ. اسْأَلُوهُ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَنْ نَفْسِهِ».قَالَ أَبَوَاهُ هذَا لأَنَّهُمَا كَانَا يَخَافَانِ مِنَ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا قَدْ تَعَاهَدُوا أَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ أَحَدٌ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ يُخْرَجُ مِنَ الْمَجْمَعِ.لِذلِكَ قَالَ أَبَوَاهُ: «إِنَّهُ كَامِلُ السِّنِّ، اسْأَلُوهُ».
و تكرر السؤال للأعمى من قبل علماء الشريعة و شتموه لأنه تجرأ وقال لهم بسبب الحاحهم عليه فى السؤال عمن شفاه “أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصِيرُوا لَهُ تَلاَمِيذَ؟” فصرخوا مستنكرين قائلين وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّنَا تَلاَمِيذُ مُوسَى ، نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ اللهُ، وَأَمَّا هذَا فَمَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ«
مازال علماء الشريعة فى عصرنا يكررون نفس الشئ مع كل شخص حاولوا أن يغلقوه فى مرضه و عاهته.