”طوبى لأنقياء القلب فإنهم يعاينون الله” – الأب وليم سيدهم
”قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي”(مز 51: 10)، هكذا يقول داود المرنم في المزمور الواحد والخمسين، النقاء صفة نطلقها على درجة جودة الماء والكحول، كما نطلقها على درجة صفاء الأصدقاء والأخوة، نتحدث عن الإنسان النقى الذى لا تشوبه نقاط سوداء في سيرته وفي معاملاته.
ويثنى يسوع على “أنقياء القلب” فيقول: ”طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ.” (متى 5: 8)، ما العلاقة بين القلب والقدرة على معاينة الله؟ إنها حالة الإنسان المؤمن الذى تطهر قلبه من كل غوايات الدنيا وما تثيره في قلب الإنسان من مشاعر وأحاسيس بعيدة عن النقاوة، هذا التطهير وهذه التنقية تأخذ وقتًا طويلًا يجاهد فيه الإنسان المؤمن مع نفسه ويعمل على تهذيبها وتنظيفها وتهيئتها لتدخل في علاقة حميمة مع الله، هذه العلاقة الحميمية تجعل من “خُلق المسيح” مبدأ وأساس للتعامل مع الله. يقول القديس بولس في رسالته الى أهل فليبي:” الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ.(فيلبي 2 :6 – 7)
هذا التجرد الإلهى يعلمنا نحن كيف نتجرد من كبريائنا ومعاندتنا للخالق ومن رغباتنا غير المنضبطة لكى نصبح على مثال المسيح أهلًا للدخول في علاقة مع الله المنزه عن كل شر. وإذا كان التجرد هو إخلاء الذات لتصبح مهيئة للتضامن مع البشر فإن نقاء القلب هو إخلاء الذات لكى تصبح مهيئة للتواصل مع الله مخلصنا والتفاعل معه.
إن صرخة داود النبى في المزمور الواحد والخمسين هى أول درجات النقاء، فهو يطلب من الله الذى أهانه بخطيئته أن يتدخل ويلمس قلبه ليعيد له نقاءه الأول. هكذا نحن، نطلب ونرغب بشدة بأن يلمس الرب مخلصنا قلوبنا حتى تتطهر من دنس الأنانية والرغبات الحسية التى تجعل قلوبنا غير مستعدة للدخول في علاقة مع الله.
إن رؤية الله لا يمكن أن تحدث لمن حجبت عيناه بصور فاسدة ومفسدة، وإمتلأ قلبه بظلمة الخطية، ولا شك أن معاينة الله هى اللحظات التى تشرق على الإنسان شمس الفضيلة والفرح الباطنى فهى انفتاح على باب السماء وتهليل ببلوغ قمة جبل موسي بعد أن كنا بعيدين عن هذه اللحظات المفعمة بالفرح والحبور.
يذكر اشعياء النبي في الحلم الذى رآه بجلال وعظمة الله وكلى قدرته الذى أرسل ملاكه ليطهر شفتى النبى فيصبح أهلًا لحمل رسالة الله إلى شعبه.