إنفضوا غبار أرجلكم – الأب وليم سيدهم
الرسول الذي تلقى الدعوة إلى الخلاص، إذا كان غيورًا فعلًا لا يستطيع أن يحتفظ لنفسه بهذه البشرى السارة، غنها نارًا آكلة، لا تترك الرسول صامتًا وباردًا، إنها تحوله إلى كتلة من النار التي ترغب أن تستعر إلى ما نهاية.
إلا أن غيرة الرسول لا يمكنها وحدها أن تصل إلى هدفها، فماذا لو كان المدعوون إلى المشاركة في هذه الخبرة السارة غير مكترثين؟ يقول يسوع: “وَمَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ كَلاَمَكُمْ فَاخْرُجُوا خَارِجًا مِنْ ذلِكَ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَانْفُضُوا غُبَارَ أَرْجُلِكُمْ.” (مت 10: 14) لا قهر ولا ضغط ولا جبر لتوصيل الرسالة. إنها أصلًا رسالة سلام وليست إعلان حرب، إن الإيمان بالله عطية من الله، نتقبلها بحريتنا وننقلها بغيرة نعم ولكن نعرضها على الآخرين ليقبلوها إن أرادوا بكامل حريتهم، أما إذا رفضوها فنحن نحترم حريتهم، أن ننفض الغبار الذي علق بأرجلنا في قريتهم أو مدينتهم هو رد فعل طبيعي ولا يضير أحدًا.
كثير من المؤمنين الغيورين يروا غير ذلك، وفي العصور الغابرة وأحيانًا أثناء الفترات الإستعمارية في أمريكا اللاتينية مثلًا كانت البشارة تتخذ طابعًا عنيفًا مصاحبًا للمستعمرين وكان السبب هو اعتقاد المبشرين أن لا خلاص لبشر إلا إذا تعمد وأصبح ينال الخلاص من المسيح، وخوفًا على غير المؤمنين بالمسيح حتى لا يذهبوا الى جهنم كان الإجبار وسيلة مشروعة في ذلك الحين.
لقد تعلمت الكنيسة على مر التاريخ من أخطائها ومنذ المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965 أصبحت البشارة أكثر إتساقًا مع كلام الانجيل.
إن هناك فرق بين “نفض الغبار” وبين “القتل” إن الله هو الذي يحاسب الناس على إيمانهم وعلى رفضهم له، ولا يوجد أي مبرر لقهر الناس على الدخول إلى ديانة جوهرها الحرية والشغف في محبة الله.
وماذا نقول للمدعوين الذين قبلوا الدعوة ولكن فترت عزيمتهم وخارت قوتهم، وأصبح إيمانهم مجرد عنوان لا يوجد له مضمون أو قوام. وكيف نفعل لننقل إيماننا لأطفالنا بشكل صحيح دون تعسف ولا إكراه أيضًا، علينا أن نبني الداخل قبل أن نذهب إلى الخارج.
يارب، إجعلنا رُسلًا يثقون في عمل نعمتك في قلوبنا وفي قلوب البشر جميعًا. أعطنا الصبر لتحمل تبعية الرسالة وإحمنا من كل شر وإفتح أذهاننا وقلوبنا كي نتعلم منك كيف نقترب من اخوتنا البشر.