الأحد الخامس من الزمن الأربعيني: مَن قتل لعازر؟-الأب داني قريو السالسي
الأحد الخامس من الزمن الأربعيني: مَن قتل لعازر؟
الأب داني قريو السالسي
إنّ الكنيسة تقدم لنا مع هذه المقطوعة (موت وقيامة لعازر) تمهيدنا لإقترابنا من أسبوع الآلام، الذي سنتأمل فيه موت وقيامة يسوع المسيح. ولكن موت وقيامة يسوع بعيدة كل البعد عن عودة لعازر للحياة. كل اللذين أقامهم يسوع من الموت عادوا للحياة وماتوا أما يسوع فلم يعد للحياة ولن يموت.
يصل خبر مرض لعازر ليسوع “يارب، إنّ الذي تحبه مريض” ويتابع الانجيلي قائلاً: “ومع ذلك لما فلما سمع أنّه مريض، بقي في مكانه يومين” ومن بعدها عاد إلى اليهودية. هل كان يهمه أمر لعازر؟ لكالما سألت لما هذا التناقض؟ صديقه، ويعلم أنّه مريض مع ذلك يتباطئ مع ذلك وييأخر، كيف يكون ذلك؟ يسوع يعظ عن القيامة وعن اليوم الأخير مع ذلك يبكي، ويكرر لمرتين أن قلبه جاش عندما أقترب من القبر. إذا يسوع يتكلم ويؤمن بالقيامة، لماذا يبكي “ودمعت عينا يسوع”؟
يفتتح الانجيل بوصف دقيق لمريم. هل هو صدفة؟ بالتأكيد، لا. ومن جهة أخرى ما ذُكر عنها أنّها “هي التي دهنت الرب بالطيب ومسحت قدميه بشعرها” هذا ليس ما فعلته، إنما ما ستفعله في الفصل التالي يو12.
يذكر الراوي “كان المريض أخاها” ألم يكن أيضاً أخو مرتا؟ يوحنا يركز على العلاقة القوية بين مريم ولعازر. الراوي يقول أنّه أخاها هي لا تقول أنه أخي. أي أنه كان من ممتلكاتها. كان يعيش من أجلها، كانت مالكة حياته، أي (حبها) أسر أخيها. كم من الأشخاص يعيشون هكذا؟ يلتعلقون بالآخر ويسيطرون عليه، والحياة لا معنى لها بالنسبة لهم من دونه. وهذا ما فعلته مريم: لعازر أي أن لعازر كان حياتها، وهي امتصت حياته حتى انتهت!! الذي لا يعيش حياته، يطلب من الآخرين أن يملؤا فراغ حياته التي لم يعشها. هو قتل على البطيء، يوماً بعد يوم يذبل ويموت “لعازر مريض” الآية (1) ثم “إنّه نائم” الآية (2) وفي النهاية “لقد مات” الآية (15). إنه موتٌ بالتدريج. من طيبتك تسمح لي (من دون وعي) أن أمتص حياتك فتموت رويداً رويداً. هكذا تضحي من أجلي، تموت لأحيا أنا ومن بعدها أقضي حياتي في البكاء. لأني لم أتعود على عيش حياتي.
أكثر مشاكل الحماوات مع كناتهم، أن هذه العروس الجديدة سلبت ابني مني، ابني الذي كان كل شيء لي، (كان ملكي) الذي كنت أستند عليه، الذي كنت أحيا بفضله (كنت امتص حياته). كم من الخلافات بين الآباء والأبناء بسبب مستقبلهم. الأب ينظر للأبن وكأنه محقق مستقبله، (الذي لم يستطع تحقيقه يفرضه على ابنه) وعندما الأبن يرفض، تثور ثورة الأب (لأنه كان يعتبر أن ابنه ملكه) لأن الأبن لا يسمح لأبيه أن يمتص حياته. من يحيا حياته، ليس بحاجة لأن يخطف حياة الآخرين، إنما من يحيا حياته يصبح منبع حياة على الآخرين.
“فلما سمعت مريم بقدوم يسوع خرجت لاستقباله، في حين أنّ مريم كانت جالسة مع اليهود الذين كانوا يعزونها” نلاحظ أنً مريم كانت جالسة، في موقف استسلام. لعازر مات ومريم استسلمت للوضع -الاستسلام سلبي على خلاف التسليم الذي هو ايجابي- جالسة، مقعدة غير قادرة على فعل شيء. كم من الصبايا عندما ترى أنّ صديقها يتكلم مع أخرى ويجاملها، يستسلمون للوضع ويستولي عليهم اليأس، وخيبة الأمل، وينظرون لأنفسهم على أنّه لا قيمة لهم. موقف استسلام وكأن صديقي، ملكي، لعبتي، الآن يوجد آخر يملكه، أنا من دون لعبتي. ومن جهة أخرى كان على لعازر أن يموت لتعي مريم حالتها.
مرتا تدعو مريم “فأسرت إليها أنّ المعلم هنا، وهو يدعوك. وما أن سمعت حتى قامت على عجل وذهبت إليه… رأته حتى ارتمت على قدميه” مريم تركع! تركع أمام يسوع. ليس في اليد حيلة. تدرك أنّ من دون يسوع الحياة لا معنى لها قائلة:”يارب لو كنت هنا لما مات أخي” هنا تقف مريم على عتبة القيامة، في بداية الإنجيل تقول ليسوع “الذي تحبه مريض” صديقك مريض. موقف بعد صديقك. الآن تقول “أخي” أدركت أنّ لها علاقة بموت لعازر. أن ترى هذا، كان كمن يزيل الحجر من على عيونه “وذهبت إلى القبر، وكان مغارة وضع على مدخلها حجر”. يسوع حاول أن يدخلها إلى ذاتها من خلال موت لعازر “ولما سمع أنّه مريض بقي في مكانه يومين” لم يكن من السهل عليها أن تنبش في الأمر لأنه “قد أنتن، فهذا يومه الرابع”.
إنّ تصرف مريم لهو في غاية الروعة، مريم ترتمي على قدمي يسوع. تنحني وتركع، علامة على أنّها ستكون أكثر مرونة وتواضعاً في تعاملها مع الآخرين، في تصرفاتها مع أخيها. في كل الأديان الركوع هو رمز التواضع، عندما لا ننحني ونكون صارمين ناشفين، لا نتقبل صعوبات الحياة وتحديات العصر، هناك الخطر أن ننكسر ونتحطم في مواجهة الواقع. سنة 2003 كنت أشارك في نشاطات السالزيان في العراق، وكان علينا يومياً تحضير أكثر من برنامج لأنه لانعلم ماذا يخبئ لنا اليوم التالي، ومرة حدث غير المتوقع، ولم نستطع فعل أي شيء مما جهزناه، فكنت أتذمر وأشتكي من الوضع. فسألني مرشدي بكل بساطة قائلاً: كيف تعرف أنّ هذا الشخص أصبح سالزيانياً حقيقياً؟ فبدأت أجاوبه بأجوبة لاهوتية ودينية… فقاطعني قائلاً: السالزياني هو الشخص القادر على التأقلم مع الظروف.
منهم من يقول: أنا لا أقصر مع زوجتي بشي ومع ذلك فلا يعجبها العجب، لا أعرف لماذا؟ (يارب، زوجتي الذي تحبها مريضة) أو، ولدي فقد الحماس وأصبح كسولاً ولكن ليس لديه أي سبب لأن يكون هكذا؟ (يارب، ولدي الذي تحبه مريض) أو، ابنتي حتى الآن لم تستطع أن ترسى على عريسٍ لها، لا أفهم لماذا؟ (يارب، ابنتي الذي تحبها مريضة). يتساءلون عن السبب، من الظاهر نجدهم وكأنّهم يريدون الخير لهولاء الأشخاص، ولكن…!
سيدة أكتشفت أن بها سرطان الثدي الأيسر، فيقول زوجها: مسكينة! كيف حدث هذا وأنا لم أتركها لحظة؟ كنت دائماً بقربها، كنت رفيقها في السراء والضراء. الحمدلله أني هنا، لو لم أكن من لما وجدت عوناً لها. ولكن لو تمعنا في النظر لوجدنا أن زوجها سبب مرضها، كان قد كتم أنفاسها من تعلقه بها، من إلتصاقه بها. كان معكراً عيشتها من مراقبته لها، لم يتركها يوماً في شأنها، كان معها طوال النهار وهي دائماً تحت تصرفه وخادمة لرغباته. ليس من الصدفة أن السرطان ضرب صدرها الأيسر، فقد تورم قلبها من ثقل زوجها فوقها، فانفجر. بنطره أنّه يضحي، ترك كل شيء وجلس بقربها. وفي نظر صديقاتها، هو زوج يحسد عليه! لكن إن كان زوجاً يحسد عليه لما مرضت! مريم ومرتا كان عليهنّ أن يعين لعلاقتها الخاطئة مع لعازر. امتصا حياته رويداً رويداً حتى انتهت. يسألهمنّ يسوع قائلاً:”أين وضعتموه؟” وما معناه، ماذا فعلتم بهم؟ ما هذه الحالة التي أوصلتمانها له؟ لقد أفرغتموه من انسانيته أصبح جثة هامدة. لهذا يرى ما قد فعلتاه، فينفجر بالبكاء “جاش صدره واضطربت نفسه فدمعت عيناه”.
تعرفت مرة على راهبةٍ مبدعةٍ خلاقة في الأشغال اليدوية. ذات كاريزما خاصة في تعاملها مع الشباب، جذابة ورقيقة مع الأطفال، كانت تسير فتلهب الجميع بحماسها ونشاطها، كانت مربية حقيقية للجميع. يوماً ما تم تعيينها كمسؤولة عن دار المسنين. رئيساتها جعلوه تنطفئ رويداً رويداً. قتلوها من الداخل، ولم يعد لديها الرغبة في العيش. وسقطت فريسة اليأس وفريسة قرار رئيساتها.
يسوع لم يبكي على الموتى الذي أقامهم –مع العلم أنّهم كانوا أغلبهم في ريعان الشباب- يسوع بكى عل سلوك الأختان الخاطئ، يبكي لأن لعاز الذي قُتل من لاوعي أختاه. من بداية النص يذكر الأنجيلي أنّ لعازر مريض، لكن الأختان لايران مرض الأخ “الذي تحبه مريض” صديقك مريض، وكأنه ليس أخاهما، لم يقولا: أخانا مريض. وكأنهما يقولان له: أنت لست من مستوانا، أنت خلقت من أجلنا، لخدمتنا، أنت موجود لنحيا نحن!! هل نستطيع أن نسمي هذا حب؟ كل الأنجيل ولعازر لا ينطق بكلمة واحدة. لعازر مسلوب الارادة وأيضاً الكلام. لم يستطع أن يعبر بحرفٍ، لم يستطع في حياته أن يُخرج شيئاً من داخله، لم يستطع أن يخرج خارج سجن أخواته له. ويسوع يقول له كلاماً يختلف عن سائر معجزات القيامة التي صنعها. لم يقل قم. أنما قال “هلمَّ خارجاً”. كفاك مأسوراً سجيناً، أخرج من سجنك، لاتكن مستسلماً خانعاً بل حيوياً خلاقاً.
عندما اقترب يسوع إلى بيت عنيا، أضطربت نفس يسوع لأن لعازر قُتل ولم يمت! كانت الأختان تمنعانه من أن يحيا، من أن يعبر، من أن يكون ذاته. لهذا قال لهم “ارفعوا الحجر” ومن بعدها قال لهم أيضاً: “حلوه ودعوه يذهب” بينما قال للعازر: “هلمَّ خارجاً” أخرج من قوقعتك التي وضعاك فيها، لا تسمح لأحدٍ أن يسلبك حياتك.
هذا الإنجيل لا يشرح كيف يقوم الموتى، إنما يؤكد أنّه حتى الذي مات في نفسه ممكن أن يعود ويحيا من جديد. وإن كان شخص يعيش في ظروف صعبة، “اربعة أيام” ممكن أن تنقلب الأوضاع ويدب الحياة. المهم أن نثق بكلام يسوع “من آمن بي وإن مات فسيحيا… أتؤمنين بهذا؟” هذه المقطوعة ترينا أنّ الايمان هو الثقة بالرب والتعاون معه للخروج من قبورنا وإخراج الآخرين من قبورهم، لتحريرنا وتحريرهم “مشدود اليدين والرجلين بالعصائب” ونزع أقنعتنا “ملفوف الوجه في منديل”. بالإيمان ممكن أن نقهر المستحيل، بالسير وراء يسوع نعي مَن نحن وما علينا فعله. (يو11، 1-45)