stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

الأنبا بطرس فهيم مطران ايبارشية المنيا (( اللامبالاة ))

891views

اللامبالاة هي مرض من أخطر الأمراض التي يمكن أن تصيب الإنسان، فهي حالة من البرود وعدم الاكتراث والتبلد تصيب القلب والعقل؛ وبالتالي لا يبالي الإنسان بأي شيء يدور حوله، ولا يهتم لشيء ولا بشيء، فتتساوى الأمور ولا يأخذ أي شيء أهمية ولا يحرك له ساكنا مهما كانت هذه الأمور التي تحدث داخله أو خارجه. فيفقد الإنسان طعم ومذاق ومعنى وقيمة كل شيء وأي شيء، فتتلون كل الأشياء بلون واحد اصفر باهت قريب من لون الموت. اللامبالاة هي إحساس عكس الحياة والحب، وهو ينبع من الأنانية واللامسوؤلية.

واللامبالاة قد تطال كل أبعاد الحياة الفكرية والاجتماعية والعاطفية والنفسية والروحية والاقتصادية والأسرية، ومجالات الدراسة، والعمل، والخدمة، والرسالة، والعبادة وغيرها.

قد يكون لللامبالاة أسباب عضوية أو نفسية أو اجتماعية أو روحية، بسبب خبرات سلبية مؤلمة أو صدمات، أو أزمات، أو خيانات أو مشاهد عنف أو معاناة مستمرة، أو أساليب تربية، أو قد يكون السبب هو الانغماس في العالم الوهمي الذي تقدمه وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مستمر، لفترات طويلة، والانفصال عن الواقع، والهروب منه ورفضه، وغيرها الكثير. وقد تأتي نتيجة تعاطي بعض العقاقير وإدمانها. فمن المهم الاهتمام بالأمر والسعي في تشخيصه بطريقة سليمة، لمعرفة الأسباب والشروع في علاجها، قبل أن تتفاقم الأمور، وقد تؤدي إلى اللامعنى وبالتالي اليأس والإحباط وأحيانا الانتحار.

لذلك من المهم أخذ الأمر بجدية كبيرة، فنتائجه قد تكون وخيمة ومدمرة. فيجب على الأسر والجماعات البشرية أن تنتبه حين يكون أحد أفرادها بدأ يدخل في هذه الأحاسيس، وأخذ يلف في هذه الدوامة. ويجب تحفيز الشخص وتشجيعه بأكثر من طريقة، بإثارة اهتمامه بأمور لها قيمة ومحببة عنده، بإحياء أهداف كانت له في الحياة واختفت أو زالت بسبب أو آخر، وقبل كل شيء بإبعاده عن العناصر السلبية والمتشائمة في الأسرة أو الجماعة. وإحاطته بعناصر وشخصيات من الأصدقاء والمعارف التي تبعث على الأمل والرجاء وتنشر روح وطاقة إيجابية، وتساعد الشخص على استعادة الثقة في إمكانياته وقدراته، والتركيز على مميزاته الشخصية، ومساعدة الشخص على تحديد أهداف إيجابية ومرحلية، تقود لهدف واحد كبير ومهم يعطي معنى للحياة، ومساندته وتشجيعه على تحقيق هذه الأهداف أولا بأول. وأن يقوم أصدقاؤه وأقرباؤه بتشجيعه على ممارسة الرياضة والهوايات المحببة والخروجات والرحلات الترفيهية الممتعة. وقراءة الكتب المناسبة والمفيدة والمحفزة والمشجعة للخروج من مثل هذه الحالات، ومشاهدة برامج وأفلام بناءة وتتكلم عن نماذج استطاعت أن تتغلب على اليأس والإحباط والفشل، وتخطت الكثير من التحديات. وإن استدعى الأمر يجب عرض الشخص الذي يعاني من اللامبالاة على طبيب مختص. هذا بجانب متابعة مرشد روحي حكيم وخبير بالأمور الروحية والمشاعر الإنسانية. هذا طبعا إلى جانب المواظبة على الصلاة والتأمل وقراءة موجهة ومَقُودَة للكتاب المقدس، والحفاظ على العادات والتعهدات التي قطعها الإنسان على نفسه في وقت الراحة والفرح.

ويجب التمييز دائما بين الإحساس العابر باللامبالاة، حين يكون أمر وقتي بسبب خبرة معينة أو حادث معين سرعان ما ينتهي بمرور الوقت أو بانتهاء السبب. والحالة المرضية التي غالبا ما تكون أكثر صعوبة وتعقيدا وتحتاج لكثير من الوقت والجهد والتي يجب مواجهتها بوضوح ووعي ومسئولية. وبين حالة اللامبالاة حين تكون خطيئة يعيشها الإنسان بسبب التعود على حياة التسيب واللانظام واللاانتباه واللااهتمام، والأنانية والانغلاق عن الآخرين، وحب الراحة والكسل والتعود على نمط من الحياة يسبب الكثير من الأمراض النفسية والروحية، التي يخلقها الإنسان لنفسه بسبب تبنيه لسلوكيات تتنافي مع الإنجيل والسلوكيات الأخلاقية والإنسانية السليمة.

حين يكون الوضع مجرد خبرة عابرة فيجب الانتباه لها لكيلا يطول أمدها وتسبب مشكلة. وحين تكون حالة مرضية يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة للخروج منها سريعا. وحين تكون خطيئة فيجب التوبة عن كل السلوكيات التي تؤدي إليها ومتابعة مرشد روحي حكيم وخبير بهذه الأمور.

وفي كل الأحوال، لا يجب الحكم على الأشخاص الذين يمرون بهذه الخبرات، مهما كان الأمر، بل يجب تشجيعهم على التعافي منها، والخروج إلى عالم الحياة والرجاء والإيمان بالقيامة والفرح. فالقيامة هي التي تعطي الطاقة والانطلاقة اللازمة لحياة منطلقة نحو آفاق جديدة وحياة متجددة، وروح القيامة الوثاب الذي يقود الإنسان نحو الأمل والحب والشركة مع الكنيسة من اجل خلاص العالم، وبناء حضارة المحبة والرحمة والغفران. ولا يستطيع أي إنسان أن يعيش هذه الروح وهذه الدفعة الإيجابية إلا إذا كان في حياته حب كبير يملك ويوجه ويغني حياته كلها. هذا الحب هو الله والإنسان، الله في حياة الإنسان والإنسان في قلب ومشروع الله. وإذا كانت قضية الملكوت هي قضيته الجوهرية، كما كانت قضية يسوع. أن يكون الإنسان من سكان الملكوت، والملكوت هو ملكوت الإنسان كما هو ملكوت الله. ولأنه ملكوت الله، يصير ملكوت الإنسان، فالله والإنسان في شركة حب وحياة، ضامنها يسوع، ومحققها الروح، وواهبها الآب القدوس.

فإن كان الحب الكبير والمعني الكبير هو علاج اللامبالاة، فماذا سيكون علاج الحب نفسه إن ضربته اللامبالاة؟ إن أكبر شر وخطيئة ومرض ليس العنف والقتل والإرهاب، إن الشر الأكبر هو اللامبالاة. فإن كان لدينا حمية وغيرة ورغبة صادقة وعزيمة قوية لتمكنا من مواجهة ومحاربة أي نوع من كل أنواع هذه الشرور. ولكن إن أصابتنا اللامبالاة تجاه هذه الشرور جميعا فكيف يمكن مواجهتها والتخلص منها؟ ساعتها سيعم الفساد والضياع، ولا أمل ولا رجاء في حل أو في مخرج من كارثة اللامبالاة. أصابت العالم الكثير من الكوارث والمجاعات والأوبئة، على مر التاريخ، وآخرها وباء كوفيد 19 (فيروس كورونا المستجد)، فاختبأ العالم لفترة، ثم ما لبث أن هب لمواجهته. فتخيلوا لو أصابت الناس اللامبالاة تجاهه، والخطر والخوف أن اللامبالاة قادمة مع الوقت والتعود، فلم يتحركوا تجاه هذا الخطر الداهم الذي يحصد في أرواح الناس حصدا، كم ستكون الخسائر وكم ستكون أحجام الأضرار على مستوى العالم؟
إن الخطر الأعظم والشر الأكبر هو عندما ترى أنواع الشرور والمصائب والمفاسد والخطايا تستشري حولك، ولا يحرك لك ذلك ساكنا، ولا يوخز ضمير لك ضميرا، ولا يثير فيك التساؤل والرفض والغضب والثورة في وجه الشر والأشرار. فالشر الأعظم لا يكمن في الشرور في حد ذاتها، بل في القبول بها والسكوت عليها والرضى عنها، واللامبالاة تجاهها، ويكون الشر أعظم وأعظم إن تم التواطؤ والتحالف معها. ساعتها قل على الأرض السلام، وعن السماء لا كلام.

قد تصل اللامبالاة إلى العلاقة مع الله ذاته، وهي تنتج عندما لا يجد الإنسان في هذه العلاقة ما يحقق ذاته، أو يفرح وجوده، فلا يعيشها بحماس، أو بحب وفرح. أو قد تنتج عندما تدخل هذه العلاقة في إطار الروتين واللاجدوى، وقد تنتج عن إحساس الاكتفاء بالذات بعيدا عن الله، فيشعر الإنسان أنه ليس في حاجة إلى الله، وبالتالي يمكن أن يستغني عنه أو يأخذ مكانه. ومتى غاب الله فكل شيء مُتاح ومُستباح، الإنسان والكون والطبيعة والبيئة والنظم والقوانين، وصار الإنسان مرجعية وقاعدة وقانون نفسه، فتختفي كل قيم التضامن والمشاركة والرحمة والإيثار والخير العام والأخلاقيات النبيلة. فينتج العنف والحروب، والفساد الأخلاقي والإداري، وتلوث وخراب البيئة وتجريف وتصحر والطبيعة، وتجف وتقل الموارد، ويفقد الإنسان تدريجيا حقوقه وكرامته، فتتأثر وتُهدد العدالة والسلام الاجتماعي والأمن العالمي.

وكما سبق وذكرنا فإنه للخروج من حالة اللامبالاة هذه يحتاج الإنسان أساسا إلى الوعي الذاتي والتحكم في النفس. وأن يلجأ الإنسان إلى العناصر المساعدة في الخروج من هذه الحالة، وقد تكون هذه العناصر بشرية أو مساعدات نفسية واجتماعية وطبية وإنسانية وأدبية وتربوية وروحية وغيرها. كأن يحيط الإنسان نفسه بأشخاص إيجابيين وفعالين، ويلجأ إلى ذوي الاختصاص من اجل تشخيص وتحديد الحالة، والالتزام بما يطلب منه، والالتزام بالمبادئ الإيجابية ومعطيات الإيمان والأخلاق النبيلة، والثقة بالقدرات والمميزات الذاتية، والتعود على النشاط الإيجابي والمبادرات الفعالة. وأن يملأ حياته بقيم ومبادئ وأخلاقيات وأهداف إيجابية نبيلة، ويجد المعنى والحب الكافي في كل ما يعمل. ويقتنع أن الرجاء لا يخيب صاحبه، ويكون الإيمان برب القيامة وبروح القيامة هو الأساس لكل ذلك ومحركه.

++ جوزيف مكرم …. المنسق الأعلامى لأيبارشية المنيا + +