stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعوية

التكوين الإكليريكي ملامح ومشاكل- الأب د. إبراهيم اسحق سدراك

1.1kviews

sem

“نحتاج إلى كهنة” عبارة يرددها الناس العلماني منهم و الإكليريكي، حقاً إن احتياج العالم إلى الكاهن هو احتياج واقعي؛ وبالتالي فمن المشروع التفكير فيه والبحث عن حلولٍ لتوفير ما يحتاجه العالم من الكهنة.

 أي كاهن نريد؟ أي شباب يتقدم؟ أي تكوين نقدم؟ وإلى أي مدى نحن قادرون على توفير عناصر مثل هذا التكوين وضمان استمراريته؟.

إن نقطة الانطلاق هي في تحديد الهدف، لأن ذلك يحدد الوسيلة. والهدف في كلمات بسيطة يتلخص في أن يصل الكاهن الشاب، مع نهاية فترة تكوينه ومغادرته للإكليريكية، إلى درجة جيدة من الألفة والمصالحة مع هويته ككاهن؛ أن يشعر بأنه كاهن ولذا فهو مميّز وفريد. وأن يكون قادراً على العيش بارتياح تام وسط العلمانيين، أن يجد مكانه بينهم ومعهم، بسلام وفرح وسعادة، دون أن يشعر بتفوق عليهم ولا بالنقص نحوهم، ولا بأي نوع من العقد الأخرى تجاههم. من الضروري أن يغادر الإكليريكية كاهناً فرحاً واثقاً من هويته ككاهن، متمتعاً بمستوى عقلي جيد، مملوءً حباً للمسيح وملتزماً ومنتمياً للكنيسة والمجتمع.

لو كان هذا هو الهدف الذي نصبو إليه، لوجب علينا أن نهتم بأمرين هم عصب الإكليريكية وهما:

1- اختيار المرشح وأسلوب تكوينهم

2-  المكوّن الجيد وإعداده.

1- المرشح المناسب وتكوينه

ليست حياة الكاهن سهلة، لذلك فلابد أن يتمّ الاختيار للمرشح بعناية دقيقة. فلا يجب أن يكون الاحتياج ونقص عدد الكهنة سبباً لقبول أشخاص ليسوا لهذه الدعوة.

فمن يقدم على الدخول إلى الإكليريكية للارتزاق، يقوم باختيار فاشل. وواجب التكوين أن يساهم في الكشف عن الدافع الحقيقي للاختيار، بحيث يكون الدافع الوحيد هو “حب المسيح”. وهناك من يظن أنه لابد أن يصير كاهناً بأي ثمن، وهو لا يتمتع بقدرةٍ على التواصل وإقامة علاقة فهذا أيضاً لم يحسن الاختيار. فالمرشح الجيد لابد أن يتمتع بشخصية قويّة مرتبطة بجماعته، فالمنعزلون والذين يميلون للفردانية عمرهم في الكهنوت قصير. إن الدعوة الكهنوتية تتطلب أشخاصاً منفتحين متواضعين قادرين على الاعتراف بالخطأ والتعلم من الأخطاء.

ولأن المرشحين شباب، فإن أغلبيتهم لم يصلوا بعد إلى الاستقرار ولم يبلغوا نضجهم بعد، فمن الضروري إلى جانب وعيهم جيداً بحريتهم أن يقبلوا كيف يتعايشون مع الرؤساء ومع السلطة. ومن الضروري أن يتعلموا كيف يثقون في الآخرين وأن يصلوا إلى مستوى جيد من القدرة على التسامح والاحترام المتبادل.

على المرشح أن يحب الله والعالم والبشرية كلها. ولأن الله صار فقيراً في المسيح، فعلى المتقدم للكهنوت أن يكون مستعداً أن يصير متجرداً بمعنى الكلمة، وأن يكرّس ذاته للفقراء ويعمل لأجلهم.

يؤكد ما سبق قوله ضرورة توافر المناخ الأسري العائلي: أولاً الأسرة التي ينشأ فيها المرشح، وثانياً المناخ خلال سنوات التكوين. وبالتالي من الضروري أن تكون حياة الإكليريكية في جماعة، وأن يتربى لدى الطلبة الحسّ بالأخوّة. 

التكوين الروحي والإنساني

لابد أن تعد شخصية المرشح للكهنوت إعداداً إنسانياً جيداً. وأن يكون المرشحون للكهنوت رجال صلاة وتأمل، قادرين على أن يجمعوا بين حياة الصلاة والقدرة على مواجهة تحديات الحياة. وعلى التكوين الروحي أن يعتمد على الكتاب المقدس والليتورجيا. وأن يكون مصدر روحانيتهم هو سر الافخارستيا فيتعلمون كيف يعطون حياتهم للمسيح فيصيروا ذبيحة وخبزاً مكسوراً لمن يخدمونهم.

التكوين الدراسي

تستلزم الدعوة إلى الكهنوت، أشخاصاً يتمتعون بمستوى عقلي جيد. فمن الضروري أن يتلقى الطالب تكويناً ثقافياً دراسياً جيداً (فلسفياً ولاهوتياً ومنهجياً) وليس صحيحاً أن السخاء والبساطة يكفيان.

2- المكوّن الجيّد وإعداده

في الإكليريكية، لابد أن توضع مسيرة المرشح على الطريق الصحيح متدرجة حتى تبلغ استقراراً ناضجاً في الروحانية والخدمة. وهنا يأتي دور المكوِّن، لأن التكوين يعتمد على نوعية المكونين، فمن الضروري والإلزامي أن يكون المكوِّن على درجة عالية من الإعداد العميق. وكذلك أن يكون هناك خط تكويني ثابت، وأن تكفل الضمانات لاستمرارية هذا التكوين… كل ذلك يتم من خلال تكوين مكثف ومركز لهؤلاء المختارين لهذه المهمة، وبالأخصّ للمرافقين الروحيين. وثمة برامج تنمية القدرات لابد منها. كذلك المدرسون، هم في حاجة إلى تكوين متخصص في مجالات مثل الحوار بين الأديان، الإنثقاف، العلوم التربوية والاجتماعية.

ما هو المطلوب من المكوِّن أو المدرس الذي يعمل بالإكليريكية؟ ليس بكاف لمن يعمل في مجال تكوين الكهنة أن يكون مدرساً جيداً وإدارياً جيداً، بل أن يكون إنساناً ورجل إيمان أولاً. فالإيمان يتميز عن اللاهوت، لأن الإيمان شيء وطريقة فهمه والتعبير عنه (اللاهوت) شيء آخر.

فمن الضروري أن يقدم المكونون والمدرسون حضوراً شريفاً كمرافقين للإيمان وأن يعطوا المثل بحياة مسيحية مكرّسة. فالإكليريكي في حاجة أن يلمس في ذات الوقت، ما يؤمن به المكوّن وما يعلّمه.

هذا من جهة التدريس والتعليم، أما من جهة الحياة الجماعية فيقوم عمل المكونين في مساعدة الإكليريكيين على تحديد هويتهم والتزامهم لحياتهم الكهنوتية في المستقبل، من أجل الآخرين والكنيسة والمجتمع. لذا فليس على الطلبة وحدهم أن يكونوا رجال قادرين على الحياة الجماعية بل على المكونين أيضاً.

من هنا، يجدر التأكيد على أن التكوين الجيّد فقط هو العنصر الذي يسمح لمدرس أو مكوّن أن يتواجد في الإكليريكية. وبدون فريق متمرّس، لا يمكن لإكليريكية أن تعمل أو تثمر. ولذلك كم هو ضروري وملِّح الاختيار المبكر لأشخاص لديهم الإمكانات والاستعداد والقدرة على التكوين، وإعطاءهم الفرصة والإمكانيات. فحذار من الانتظار لوقت الحاجة أو الأزمة، بل لابد من إعداد كوادر وفرق يسلّم كلّ منها للآخر مهمة هذه الخدمة. وإن كان ضرورياً الحصول على تكوين في بلاد أخرى فمن المهم ألا يشكل ذلك انفصالاً عن بيئتهم الأصلية وسياق حياة مجتمعهم، مما قد يعرض للاغتراب والانقسام فيما بعد.

إن التكوين بالإكليريكية يغطي مجالات عديدة، وفريق المدرسين والمكونين لا يجب أن يكون محدود العدد. ولكي ينمو في دعوة التكوين، عليه أن يكون قريباً من المسيح، ولذا فهو في حاجة إلى وقت شخصي يجدد فيه حياته الروحية والإنسانية. فإنسان محمّل بأعمال كثيرة دون انقطاع سيتعب، سيفقد الطاقة، وسيقع في الروتين، وسيشعر بعدم الرضى والوحدة وسينعكس ذلك كله على عمله.

بين هؤلاء الخبراء، هناك مهمة لابد من التركيز عليها، هي مهمة المرافق الروحي. فتعليم وقيادة شماس، يعنيان توجيه نموه الروحي، فلابد من أشخاص مميزين لهذه المهمة الصعبة يتمتعون بالمعرفة والخبرة؛ فمهمة المرافقة الروحية هي ضرورة قصوى لإكليريكية جيدة- وبعدد وفير.

نموذج للحياة من أجل تكوين أفضل: كيف تكون الإكليريكية؟ كبيرة العدد أم قليلة العدد؟ بين الأهداف التي نصبو إليها في عملية التكوين: تنمية الإحساس بالمسؤولية الشخصية، حياة بالرب وحياة الشركة مع الآخر، إلى جانب الشفافية والقدرة على التعامل وروح الفريق، ويبدو أن هذه الأهداف يمكن تحقيقها بسهولة أكثر من خلال نموذج حياة “الجماعة الصغيرة” كعائلة تجتمع كل يوم للصلاة والشركة في المائدة الواحدة، والتي تلتحق بجماعات أخرى (عائلات) للقاء أكبر.

الجماعة الصغيرة : مميزات وسلبيات: نموذج الجماعة الصغيرة، مجموعة الحياة، يقوم في 10-14 فرداً وهي صغيرة نسبياً حيث يعيش فيها الطلبة مع اثنين من الكهنة. والبيت مستقل عن المركز الأكاديمي. فالأكل والليتورجيا تتم في جماعة صغيرة. ميزة هذا النموذج أن يكون حافزاً للطلبة سواء من زملائهم أو من المدرسين. تكون هناك معرفة شخصية للطلبة ويشعر الطلبة أنهم في بيتهم، كما في أسرة.

أما عيوب النموذج فهي، خطر الانغلاق على الجماعة الصغيرة فقط دون الانفتاح على بقية الجماعات. وستختلف نوعية الحياة  من جماعة إلى أخرى، أو حتى في داخل ذات الجماعة من سنة إلى أخرى، مما يحتاج إلى تعضيد والتزام كبيرين من طرف المرافقين المكونين. والميل أكثر هو إلى نموذج الحياة في جماعة صغيرة لأنها تعكس وجهة نظرنا للكنيسة. “الكنيسة أسرة”.

الظروف الجيدة تساعد على القرار الجيد:بالتفكير حول ما سبق ذكره، ثمة تساؤلات تطرح نفسها على المسؤولين عن التكوين: هل في استطاعتنا أن نضمن للشباب الذين سيتقدمون للإكليريكية تكويناً يجعلهم قادرين على الخدمة الكهنوتية؟ هل عدد المكونين الموجود كافٍ؟ وهل هم معدون الإعداد المناسب؟. لابد من الإجابة بأمانة وصراحة على هذه الأسئلة. ففي داخل الإكليريكية، هناك مَن يُعلِّم اللاهوت ولكن هناك مَن يتلقى دروس اللاهوت ويتعلم من أسلوب الحياة والتكوين.