stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

عقائدية

الوعي الإنساني ليسوع بذاته وبرسالته(2)- ترجمة الأب / ميلاد صدقي زخاري اللعازري

1.1kviews

JES-1042الوعي الإنساني ليسوع بذاته وبرسالته(2)- أربعة اقتراحات من لجنة اللاهوت العالمية – ترجمة الأب / ميلاد صدقي زخاري اللعازري

الاقتراح الثالث
الصيغة
لكي يحقّق يسوع رسالته الخلاصيّة، أراد تجميع البشر حوله ومن أجل الملكوت. لتحقيق هذا المقصد، قام يسوع بأعمال فعليّة لا يوجد لها تفسير ممكن – متى أخذت في مجملها – إلا التحضير للكنيسة التي ستؤسّس نهائيًا بأحداث الفصح والعنصرة. إذًا، من الضروري القول بأن يسوع أراد تأسيس الكنيسة.
التعليق
3-1- حسب الشهادة الرسوليّة، لا يمكن فصل الكنيسة عن المسيح. وتقول صيغة متواترة عند القديس بولس إن الكنائس “في المسيح” (1تس 1:1، 2: 14، 2 تس 1:1، غل 1: 22)؛ إنها “كنائس المسيح” (روم 16:16). أن يكون الإنسان مسيحيًا هذا معناه أن “المسيح فيكم” (روم 8: 10، 2 كور13: 5)، وأن “الحياة في المسيح” (روم 8: 2) : “كلكم واحد في المسيح” (غل3: 28). تعبّر هذه الوحدة عن نفسها بمثال وحدة الجسم. إنه الروح القدس الذي يؤسّس وحدة هذا الجسد: جسد المسيح (1كور 12: 27)، أو “في المسيح” (روم 12: 5)، أو حتى “المسيح” (1 كور 12:12). المسيح السماوي هو مبدأ الحياة والنمو للكنيسة (كول 2: 19، أف4: 11-16)، إنه “رأس الجسم” (كول 1: 18، 3: 15)، “الملء” للكنيسة (اف 1: 22). والحال إن هذه الوحدة التي لا تنفصم بين المسيح وكنيسته تتجذّر في قمّة أعماله على الأرض: بذل ذاته على الصليب. لأنه أحبّها “بذل نفسه من أجلها” (اف 5: 25)، لأنه أراد “أن يزفها إلى نفسه كنيسة سنية” (اف 5: 27، راجع كول 1: 22). باعتبارها جسد المسيح، تستمد الكنيسة مصدرها من جسمه المبذول على الصليب، ومـن دمـه “الثمين” (1 بط 1: 19) الذي هو “ثمن” فدائنا (راجع 1 كور 6: 20). لذلك، ففي الكرازة الرسوليّة، تعتبر الكنيسة الهدف من العمل الخلاصيّ الذي أتمّه المسيح في حياته الأرضيّة. 
3-2- حينما يبشّر يسوع بملكوت الله، فهو لا يعلن مجرّد تغيير إسكاتولوجي كبير وشيك الوقوع. إنّه يدعو أولاً البشر للدخول في الملكوت، الذي بذرته وبدايته هو “القطيع الصغير” (لو12: 32) الذي جاء يسوع ليجمعه حوله ليكون هو نفسه راعيه (مر 14: 27، يو 10: 1-29، راجع مت10: 16)، فقد جاء ليجمع خرافه ويحرّرها (مت 15: 24، لو 15: 4-7). يتحدّث يسوع عن هذا التجميع من خلال مثل المدعوين إلى العُرس (مر 2: 19)، أو زرع الله (مت 13: 24، 15: 13)، أو شبكة الصيد (مت 13: 47، مر 1: 17). يمثّل تلاميذ المسيح مدينة فوق الجبل، تنظر من بعيد (مت 5: 14)، كما يعتبرون العائلة الجديدة حيث الله نفسه هو الآب وحيث الجميع إخوة (مت23: 9). الأمثال التي ضربها يسوع والتشابيه التي استخدمها ليتحدّث عمّن جاء ليجمعهم تتضمن “إكليزيولوجيا ضمنية”.
 ليس من الوارد تأكيد أن نيّة يسوع هذه تتضمّن إرادة صريحة لتأسيس وإقامة كلّ جوانب مؤسّسات الكنيسة كما تطوّرت عبر الأجيال. ولكن، من الضروري التأكيد على إن يسوع أراد أن يهب الجماعة التي جاء ليجمعها حوله هيكلية ستستمر إلى ملء اكتمال الملكوت. يجب أن نذكر هنا في المقام الأوّل اختيار الإثنى عشر واختيار بطرس رئيسًا لهم (مر 3: 14). هذا الاختيار، الذي تظهر فيه النيّة في أجلى صورها، يستهدف الإقامة الإسكاتولوجيّة لشعب الله الذي سيكون مفتوحًا لجميع البشر (راجع مت 8: 11). الاثنى عشر (مر 6: 7) والرسل الآخرون (لو 10: 1) يشاركون في رسالة المسيح، في سلطانه، ولكن أيضًا في مصيره (مت 10: 25، يو 15: 20). من خلالهم، يأتي يسوع نفسه الذي فيه موجود مَن أرسله (مت10: 40).
 سيكون للكنيسة أيضًا صلاتها الخاصّة تلك التي أعطاها لها يسوع (لو 11: 2-4)؛ تقتبل الكنيسة أيضًا تذكار العشاء السريّ، مركز “العهد الجديد” (لو 22: 20)، والجماعة الجديدة المجتمعة لكسر الخبز (لو 22: 19). مَن دعاهم يسوع للاجتماع حوله، علَّمهم أيضاً أسلوباً جديداً للسلوك مختلفاً عن أساليب القدامى (راجع مت 5: 21)، وأساليب الوثنيين (راجع مت 5: 47)، وأساليب عظماء هذا العالم (لو 22: 25).
 هل أراد يسوع تأسيس الكنيسة؟ نعم، ولكن هذه الكنيسة هي شعب الله الذي يجمعه انطلاقًا من بني إسرائيل الذي من خلاله يستهدف الله خلاص كلّ الشعوب. لأنّه يطلب أولاً: “اذهبوا إلى الخراف الضالة من بيت إسرائيل” (مت 10: 6، 15: 24)، وذلك لأن يسوع يعرف إنّه مُرسل وإنّه يرسل تلاميذه. أحد التعبيرات الصارخة عن وعي يسوع بألوهيته وبرسالته هي بلا شك هذه الشكوى (شكوى إله إسرائيل !): “أورشليم أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها ! كم مرة أردت أن أجمع أبناءك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها فلم تريدوا !” (لو13: 34، راجع19: 41-44). في الواقع إنه الله (يهوه)، الذي في العهد القديم، يسعى بدون كلل لجمع بني إسرائيل في شعب، هو “شعبه”. تعبير “لم تريدوا” هو الذي يفيد ليس تغيير النيّة، وإنّما تغيير الطريق الذي سيتّخذه تجميع كلّ الشعوب حول يسوع. من الآن فصاعدًا، سيكون “زمن الوثنيين” (لو 21: 24، راجع روم 11: 1-6) أساسًا هو الذي يحدّد ملامح كنيسة المسيح. لقد كان المسيح واعيًا برسالته الخلاصيّة التي تضمّنت تأسيس “كنيسته”، بمعنى دعوة كلّ الشعوب لتكوين “عائلة الله”. يرتكز تاريخ الإنسانيّة، في مرجعيته الأخيرة، على نيّة وإرادة يسوع في تأسيس كنيسته.
3-3- على نور الروح، يرى إنجيل القدّيس يوحنا كلّ حياة يسوع الأرضيّة مستنيرة بمجد القائم من بين الأموات. وبذلك ينفتح النظر على دائرة تلاميذ يسوع على كلّ مَن “سيؤمنون بي عن كلامهم” (يو 17: 20). أما مَن كانوا مع يسوع إبان حياته الأرضيّة، مَن وهبهم له الآب (يو 17: 6) والذين حفظهم يسوع “ومن أجلهم كرّس ذاته” (يو 17: 19) إلى حدّ بذل الذات، هؤلاء يمثّلون كلّ المؤمنين، كل مَن قبلوه (يو 1: 12)، ومَن يؤمنون به (يو3: 36). كلّهم سيكونون متّحدين به بالإيمان كاتحاد الأغصان بالكرمة، والتي بدونها يجفّون (يو 15: 6). هذا الاتحاد الحميم بين يسوع والمؤمنين به (“إنكم فيّ وأنا فيكم” (يو14: 20) ينبع من تصميم الآب الذي “وهب” ليسوع التلاميذ (يو 6: 39 و44 و46) من ناحية، ولكنّه يتحقّق أخيراً ببذل يسوع لذاته طواعية (يو 10: 18) “عن أحبائه” (يو 15: 3). يظل سرّ الفصح مصدر الكنيسة (راجع يو 19: 34): “وأنا إذا رُفعت عن الأرض جذبت إليّ الناس أجمعين” (يو 12: 32).  
الاقتراح الرابع
الصيغة

إن الوعي الذي كان للمسيح بكونه مُرسل الآب لخلاص العالم ولتجميع كلّ البشر في شعب الله، يتضمّن، بطريقة سريّة، محبة جميع البشر حتى إننا كلنا نستطيع القول: “ابن الله أحبّني وجاد بنفسه من أجلي” (غل2: 20، الوثيقة المجمعية فرح ورجاء، فقرة 22: 3).
التعليق
4-1- منذ صيغها الأولى، تتضمن الكرازة الرسوليّة الاقتناع بأن “المسيح مات من أجل خطايانا كما ورد في الكتب” (1 كور 15: 3)، وأنه “جاد بنفسه من أجل خطايانا” (غل 1: 4)، وهذا في توافق مع مشيئة الله الآب الذي “أسلمه إلى الموت من أجل زلاتنا” (روم 4: 25، راجع أش 53: 6)، “من أجلنا جميعاً” (روم 8: 32)، “حتى يخلّصنا” (غل 4:4). إن الله الذي “يريد أن الجميع يخلصون” (1 طيم 2: 4)، لا يستثني أحداً من تدبير الخلاص الذي يقبله المسيح من كل كيانه. كل حياة المسيح، منذ “دخوله إلى العالم” (عب 10: 5)، وحتى موته، هي عطاء واحد ووحيد “من أجلنا”. هذا ما بشّرت به الكنيسة منذ البداية “راجع روم 5: 8، 1 تس 5: 10، 2 كور 5: 15، 1 بط 2: 21، 3: 18).
إذا كان المسيح قد مات من أجلنا، فذلك لأنه “أحبّنا وجاد بنفسه لأجلنا” (اف 5: 2). ضمير “نحن” يشمل كل البشر الذين يريد جمعهم في كنيسته: “أحب المسيح الكنيسة وجاد بنفسه من أجلها” (اف 5: 25). والحال إن الكنيسة لم تفهم هذا الحب باعتباره موقفًا عامًا فحسب، بل كحب فعلي حتى إن كل إنسان معني به شخصيًا. من هذا المنظار ترى الكنيسة الأمور عندما تسمع القدّيس بولس يوصي باحترام “الضعفاء”: “لا تهلك بطعامك مَن مات المسيح لأجله” (روم 14: 15، راجع 1 كور 8: 11، 2 كور 5: 14). ويطرح القدّيس بولس نفسه السؤال التالي على مسيحيي كورنتس الذين تفرّقوا أحزابًا: “أترى المسيح انقسم؟ أبولس صُلب من أجلكم؟” (1 كور 1: 13). 
في هذا الصدد، رغماً عن كون بولس الذي لم يعرف المسيح “في أيام حياته البشريّة” (عب 5: 7)، إلا إنه يؤكّد قائلاً: “فما أنا أحيا بعد ذلك، بل المسيح يحيا فيّ. وإذا كنت أحيا الآن حياة بشريّة، فإني أحياها في الإيمان بابن الله الذي أحبني وجاد بنفسه من أجلي” (غل2: 20).
4-2- إن الشهادات الرسوليّة التي ذُكرت هنا بخصوص موت يسوع عن حب، وبطريقة شخصيّة “من أجلنا”، “من أجلي”، “إخوتي”، تتضمّن في نظرة واحدة الحب اللامحدود الذي أغدقه “ابن الله” (غل 2: 20) السابق الوجود، والذي هو في نفس الوقت “الرب” الممجد. إن حب يسوع (النازل من السماء) “من أجلنا”، له أساسه في الوجود السابق، ولكنّه يستمر حتى في حب يسوع “الممجد” الذي هو الآن “يشفع لنا” (روم 8: 34). إنه نفسه مَن “أحبنا” (روم 8: 37) في تجسّده وفي موته. إن هذا الحب السابق الوجود من جانب يسوع هو العامل المستمر الذي يميّز الابن في هذه المراحل الثلاثة (الوجود السابق، الحياة الأرضيّة، الوجود الممجّد).
إن ديمومة هذا الحب تعبّر عن نفسها في كلمات يسوع. فطبقًا للآية (لو 22: 27)، يلخص يسوع مجمل حياته الأرضيّة وتصرفاته من خلال صورة “مَن يخدم المائدة”، “خادم الكل” (مر 9: 35): هذه هي القاعدة الأساسيّة لمجموعة التلاميذ. يبلغ الحب الخدوم من جانب يسوع ذروته في العشاء الأخير الذي فيه يضحي بنفسه ويقدمها كمن يجب أن يموت (لو 22: 19). على الصليب، تتحوّل حياته الخدومة بكاملها إلى موت خدوم “من أجل الكثيرين” (مر10: 45، راجع 14: 22-24). إن خدمة يسوع، بحياته كما بموته، كانت، في النهاية، خدمة “لملكوت الله” بالقول والفعل، حتى إن يسوع يستطيع تقديم حياته وعمله في مجده المستقبلي كـ “خدمة مائدة” (لو12: 37)، وكـ “شفاعة من أجل…” (روم 8: 34). لقد كانت هذه الخدمة هي خدمة الحب، متضمنًا الحب الجذري لله والحب المملوء بالتخلية للقريب (راجع مر 12: 28-34).
إن هذا الحب الذي تبرهن عليه كل حياة يسوع يظهر لنا أولاً حبًا شموليًا، من حيث إنه لا يستبعد أحدًا ممّن يقدّمون إليه. يبحث هذا الحب عن مَن “كان ضائعًا” (لو 15: 3-11 و32)، عن العشارين والخطأة (راجع مر 2: 15، لو 7: 34-36 و50، مت 9: 1-8، لو15: 1)، عن الأغنياء (لو 19: 1-10)، عن الفقراء (لو16: 19-31)، عن الرجال والنساء (لو8: 2-3، 7: 11-17، 13: 10-17)، عن المرضى (مر 1: 29-34)، عن الممسوسين (مر1: 21-28)، عن الباكين (لو 6: 21)، وعن المنطرحين تحت أحمالهم (مت 11: 28). انفتاح القلب هذا من جانب يسوع على الجميع يرمي إلى تجاوز حدود جيله؛ وهذا ما يظهر من خلال “شمولية” رسالته ووعوده. التطويبات أيضًا تتخطّى حدود مستمعيه المباشرين، لأنها تستهدف كل الفقراء، كل الجوعى (راجع لو6: 20). يتّّحد يسوع مع الصغار والفقراء (مر10: 13-16): مَن يقبل أحد هؤلاء الصغار، يقبل يسوع نفسه، وفيه يقبل مَن أرسله (مر9: 37). ولكن يجب الانتظار إلى الدينونة العامّة حتى يظهر علانية إلى أي مدي يصل اتّحاد يسوع بهم، الذي هو خفي حاليًا (مت25: 31-46).
4-3- يقع هذا السر في قلب إيماننا: احتواء كل البشر في هذا الحب الأبديّ الذي به أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد (يو3: 16): “وإنما عرفنا المحبة بأن ذاك (أي المسيح) قد بذل نفسه في سبيلنا” (1 يو3: 16). في الواقع، “الراعي الصالح يبذل نفسه عن خرافه” (يو 10: 11)؛ إنه يعرفها (يو 10: 14)، ويدعوها بأسمائها (يو10: 3).
4-4- لأنهم اختبروا هذا الحب الشخصيّ لكلّ فرد، التزم كثير من المسيحيين بحب مَن هم أكثر فقرًا، دونما تمييز، وهم مستمرون في الشهادة لهذا الحب الذي يعرف كيف يرى يسوع في كل واحد من “الصغار” الذين هم “إخوته” (مت 25: 40). 
“هي قضية كلّ إنسان، لأن سرّ الفداء شمل كل شخص، إذ إن المسيح، عبر سر الفداء، انضم إلى كل إنسان في كل زمان” (يوحنا بولس الثاني، فادي الإنسان، فقرة 13؛ راجع الوثيقة المجمعية رجاء وفرح، الفقرة22).
عن مجلة صديق الكاهن العدد الأول2007