stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

عظة على انجيل القديس يوحنا (مريض بركة بيت حسدا)- إكليريكي/ قدري حبيب

4.4kviews

untitled21_01عظة على انجيل القديس يوحنا (مريض بركة بيت حسدا)- إكليريكي/ قدري حبيب

يسوع الطبيب الشافي

– “فقال له يسوع قم .. أحمل فراشك وأمش” (يوحنا 5: 8).                                             

مجداً وإكراماً، إكراماً ومجداً للثالوث القدوس الله الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين.

أبتي الجليل- الآباء الأجلاء-، أخواتي وأخوتي الأحباء ،،،

مقدمة

في هذا الإصحاح نجد لقاء بين السيد المسيح، الطبيب السماوي، ومريض بيت حسدا الذي عانى من المرض38 سنة. فالسيد المسيح له المجد هو طبيب مُميز يتحرك نحو المريض دون أن يطلبه، وإن كان لا يشفيه قسرًا بل يسأله: “أتريد أن تبرأ”. التقي السيد المسيح له المجد بالرجل المريض عند بيت حسدا التي كان لها خمسة أروقة، إشارة إلى كتب موسى الخمسة، أو إلى الناموس. فالناموس يكشف الخطيئة، ويؤكد لنا المرض، والحاجة إلى طبيب سماوي قادر أن يعالج هذا المرض. ولذلك دعونا نتأمل اليوم في ” يسوع الطبيب الشافي ” وسوف نتأمل معاً في نقطتين:

النقطة الأولى: إنسانٌ صاحب داء

النقطة الثانية: مسيحٌ يقدم الدواء

1- إنسانٌ صاحب داء

يخبرنا القديس يوحنا في هذه المعجزة عن هذا الرجل الموجود عند بركة تسمى بيت حسدا أو بيت ذاتا. وتعني “بيت الرحمة”. فربما أخذت اسمها من “مراحم الله” التي ظهرت بشفاء الذين ينزلون فيها .فتشير البركة إلى المعمودية حيث يتمتع المؤمنون بالولادة الجديدة والشفاء من الخطيئة. وتشير الأروقة الخمسة إلى الناموس الذي سُجل خلال أسفار موسى الخمسة؛ يدخل منها المرضى إلي البركة، ليدرك الداخلون أنهم مرضي وفي حاجة إلى الطبيب السماوي.

ونجد هنا أن هذا المريض قد قضى أكثر من نصف عمره عند البركة يعاني من المرض، ولا يقدر أن يمارس حياته اليومية. فالصحة وزنة يلزمنا أن نستخدمها مادامت في أيدينا، ونقدم ذبيحة شكر لله عليها. فإن الإنسان لن يكتشف قيمة الصحة إلا عند المرض. لن يكتشف النعمة إلا في حالة الخطيئة. 

إن الإنسان المريض الملُقى علي فراشه كل هذه السنوات غالبا ما يكون ثائرا، يعاني من متاعب نفسية وعصبية وروحية. يعاني من الوحدة والعزلة فهذا الرجل كان بعيد كل البعد عن العلاقات البشرية الطبيعية لمدة 38 سنة من عمره، وهذا ما تفعله الخطيئة في الإنسان تجعله في حالة انعزال بينه وبين الله، بينه وبين نفسه، بينه وبين الآخر. فهذا الإنسان كان في احتياج لشخص يُعيد له الانسجام بينه وبين الله، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين الآخرين. وهذا الشخص هو  السيد المسيح له المجد اليوم يقف أمامه ويسأله أتريد أن تبرأ؟

فنجد هذا المريض في حالة عجيبة لم يثُر ولم يغضب قائلا: “ألا تراني هنا أترقب نزول الملاك ليحرك الماء، فكيف تسألني إن كنت أريد أن أبرأ؟ ” لكنه في بساطة ورجاء عجيب أجابَ المريض السيد المسيح له المجد وقال “يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء بل بينما أنا آت ينزل قدامي أخر” ( يو 5: 7). وهنا يظهر أنَّ هذا الإنسان صاحب مرض يقيده عن الحركة ولذلك يحتاج لإنسان آخر لكي يساعده وينهضه من حالة المرض هذه.

وهنا نجد أننا لا نستطيع الاتكال على أنفسنا في حالة المرض، في حالة الخطيئة، في حالة السقوط، لكننا لابد أن نصرخ إلى الله فهو وحده القادر على أن يشفني من هذه الآلام، ومن هذه الخطايا، ومن حالة المرض التي أنا فيها.

ونجد هنا شكوى هذا الرجل المريض للسيد المسيح له المجد من عدم وجود أصدقاء يساعدونه، فإنه حتى الذين نالوا الشفاء من خلال النزول إلى البركة قد ذهبوا وتركوه وحيداً، ولم يجد هذا الشخص أحداً من هؤلاء الناس يهتم به، ويساعده. كما اشتكى من عجزه في منافسة الآخرين لكي يلقي بنفسه أولاً في البركة إذ كانوا كثيرون يسبقونه. هذه هي شكوى المفلوج إذ لم يجد من يشفيه ولا من يهبه الدواء ولا من يساعده على النزول في البركة عندما ينزل الملاك إلى البركة.ونجد في سفر ارميا النبي هذا التحذير من الابتعاد عن الله الشافي، فقديمًا إذ تحولت الأنظار إلي البشر عوض النظر إلي المسيا كطبيب ودواء للشفاء قيل: “أليس بلسان في جلعاد؟ أم ليس هناك طبيب؟ فلماذا لم تُعصب بنت شعبي؟” ( أر 8: 22) الآن هوذا البلسان نفسه، والطبيب بعينه واقف أمامه يهبه ذاته كسرّ شفاء.

علينا أن نسمع كلام هذا الرجل ونعرف جسامة حزنه، فلن نرى قلبًا مطحونًا بسبب مرض طويل مثل هذا الرجل. ولكننا نجده في المقابل لم ينطق بتجديف ولا لعن يومه ولا استصعب السؤال، ولا قال للمسيح إنك جئت إليَّ مستهزأ إذ تسألني أتريد أن تبرأ؟ لكنه عبّر ببساطة عن الحقيقة وقال: “يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة” على الرغم من أنه لم يعرف من هو سائله ولا شعر أنه اعتزم أن يشفيه، لكنه وصف أحواله كلها بساطةٍ ولم يطلب منه شيئًا أكثر من ذلك، فكان حاله حال من يخاطب طبيبه مريدًا أن يصف له مرضه فقط. وهذا ينقلنا إلى النقطة الثانية ألا وهي:

2- مسيحٌ يقدم الدواء

كلنا نعرف أن كلمة “يسوع” في اللغة العبرية تعني “مخلص”،المخلص من الخطيئة ومن الألم ومن الضعف، وهذا ليس فقط ولكنه طبيب الأنفس والأجساد، شافي الأرواح، فتح عيني المولود أعمى منذ مولده، وقاد الأذهان إلى النور. شافي العرج ، وقاد الخطاة في طريق التوبة، ولكنه يقول لمريض بركة بيت حسدا: “لا تخطئ”، وأيضًا: “احمل سريرك وامشِ”، لأن جسد هذا الرجل كان مريضاً بسبب خطيئة النفس.

وهنا أخواتي وأخوتي الأحباء دعونا نتأمل في ارتباط المرض الجسدي بالخطيئة في المفهوم اليهودي فلقد كان سائد في تلك الأوقات أن أي إنسان مريض هو حتما قد فعل والده أو هو خطيئة معينة ولذلك نجد هذا في إنجيل القديس يوحنا “فسألَهُ تلاميذُهُ: «يا مُعَلِّمُ، مَنْ أخطأَ؟ أهذا الرَّجُلُ أم والداهُ، حتى وُلِدَ أعمى؟” (يوحنا9: 2). فلقد كانت الحياة بالبركة والنسل والغنى تدل في العقلية اليهودية على رضي ومحبة الله للإنسان، أما العقم والمرض كان يدل على غضب الله على هذا الإنسان وهذا نجده في إنجيل القديس لوقا ” وبَعدَ مُدَّةٍ حَبِلَتِ اَمرأتُهُ أليصاباتُ، فأَخفَت أمرَها خَمسةَ أشهُرٍ. وكانَت تَقولُ: هذا ما أعطاني الرَّبُّ يومَ نظَرَ إليَّ ليُزيلَ عَنِّي العارَ مِنْ بَينِ النـاسِ”. (لوقا 1: 24- 25).

مريض بركة بيت حسدا، كان مريض بالجسد، وأيضاً مريض بالروح. وهنا نجد الصعوبة التي كان يعاني منها هذا المريض ومن نظرة المجتمع اليهودي له، ولكن نجد يسوع المسيح طبيب الأجساد والأرواح يقول له ” احمل سريرك وامشِ” (يو 5: 8)، فهذا الشفاء كان على المستوى الجسدي لهذا المريض، ولكنه مازال مريض بالروح فيقول له ” أنتَ الآنَ تَعافَيتَ، فلا تَعُدْ إلى الخَطيئَةِ، لئلاّ تُصابَ بِأَسوأَ” ( يو 5: 14).

لقد ابرز الطبيب الحقيقي شافي الأرواح يسوع المسيح له المجد ما في هذا المريض من سمات صالحة وبساطة في الرد على المسيح، لذلك نجد السيد المسيح طبيب الأجساد والأرواح يقول له “قم احمل سريرك وأمشِ” (يو5: 8)، لقد آمن هذا الرجل وللوقت قام ومشى وحمل سريره. لقد كان ملقي عند البركة من قبل ميلاد السيد المسيح بالجسد، وربما لم يسمع عنه، فقد كاد أن يصير محرومًا من لقاء الأقارب والأصدقاء بعد كل هذا الزمن من المرض. ومع هذا لم يحاور السيد كيف يقوم، وكيف يقدر أن يمشي دفعة واحدة، ويحمل سريره؟ ولكنه آمن بالسيد المسيح وقام وحمل سريره ومشى.

لقد كان المفلوج يبحث عن إنسانٍ يلقيه في البركة عند نزول الملاك، هذا الملاك الذي يمثل حضور الرب الشافي من خلال هذه البركة، فينا كل من ينزل فيها الشفاء. وفجأةً يجد أمامه رب الحياة طبيب الأجساد، وواهب النور، الكلمة المتجسد مخلص العالم من خطاياه. وها هو السيد المسيح له المجد بكلمة واحدة يجعل هذا الإنسان المريض منذ 38 سنة يقوم من مرضه ومن قيوده من آلمه ومن يأسه. قدم له السيد المسيح الشفاء بطريقة لم تخطر على فكر هذا المريض الذي كان يتوقع أن يساعده بأنه يلقى به في البركة عندما ينزل الملاك، ولكن نجد السيد المسيح له المجد بكلمة تصدر من فمه الإلهي. أمر بسلطان فشُفي المريض. “قال له يسوع قم احمل سريرك و امش”. ( يو 5: 8).

لقد عجزت الذراع البشرية عن شفاء هذا الرجل المُلقى عند البركة لمدة 38 سنة ولكن تدخل السيد المسيح سائلاً إياه: أتريد أن تبرأ؟ لقد وهبه حياة جديدة في بيت حسدا التي تعني “بيت الرحمة”..

ربما يتساءل البعض منا: لماذا لم يُشفِ السيد المسيح له المجد كل المرضى الذين في بيت حسدا بكلمة من فمه؟  فهو طبيب النفوس والأجساد، لكن ما يشغله بالأكثر الشفاء الأبدي، حيث تتمجد النفوس ومعها الأجساد. فشفاء هذا المريض، وغالبًا ما كان أكثرهم عند البركة، وقد عرف هذا الرجل المريض كل الحاضرين من المرضى وأقربائهم وأصدقائهم، وربما المدينة كلها.بسبب طول الفترة التي قضاها في ذلك المكان، ولهذا إذ يشفي هذا الرجل يفتح عيون الكل لينظروا شخص المسيا، ويتمتع الكل بالإيمان به لأنه هو طبيب الأرواح والنفوس. فإن شفاء هذا المريض كان ولا يزال وراء شفاء نفوس كثيرة محطمة ويائسة. فلو أن السيد المسيح له المجد شفى الجميع بكلمة لكان في ذلك استعراضًا لعملٍ إلهيٍ معجزي، لكن ما يشغل قلب السيد المسيح هو إيمان الكل، وتمتعهم بالشفاء الروحي أولاً.

دعوني أختم تأملي معك بقصة صغيرة بعنوان: لمسة القدير

رسم أحد الفنانين لوحة الأشجار في فصل الخريف بعد غروب الشمس بقليل اللوحة تميل إلى الظلام. الأشجار عارية الأوراق، وهناك بيت منعزل بلا أضواء يقف منفرداً،يواجه عاصفة شديدة من التراب كل ما في اللوحة يعبر عن الكآبة والوحشة وفقدان الرجاء. لكن الفنان لم يكن قد انتهى بعد من رسم لوحته، بقيت بضعة دقائق قبل أن يُسلمها للعرض.. بسرعة غمس فرشته في اللون الأصفر ثم رسم به نوراً في نافذة المنزل، آتياً من الداخل.. يا للتغيير المذهل!!.. لقد تحول مدلول المشهد تماماً وصار يعبر عن الدفء والطمأنينة والأمان رغم العواصف.. بيت مضئ وسط الظلام والتشويش..

أخواتي وأخوتي الأحباء.. قد يسمح الله لك بأن تمر بظروف معينة تراها تدعو للقلق.. قد ترى كل شيء حولك قاتم اللون.. وقد تشعر أنه ليس هناك أمل في حل سريع.صديقي، في ذلك الوقت، لا تنس أن الله دعاك أن تسلك بالإيمان لا بالعيان..ثق في أبيك السماوي.. ثق في أمانته وصلاحه.. ثق فيه برغم كل شيء.. هذه الثقة تفرح قلبه جداً كما أنها تمتعك بأعماله العجيبة التي تشهد لاقتداره.. ثق في أبيك السماوي، ثق أنه بلمسة بسيطة من يده سيغير كل شيء.. وسيجعلك سعيداً حتى وأنت وسط العواصف.. فلأبد علينا أن نقول جميعاً  “أحبك يا رب يا قوتي.. لأنك أنت تضئ سراجي.. الظلمة أيضاً لا تظلم لديك والليل مثل النهار يضئ” (مز1:18، 28).

هذه القصة وإن عبّرت لنا اليوم فهي تعبّر عن أن اللوحة بدون اللون الأصفر الذي أضافه الرسام في آخر الوقت لكانت ستظل فاقدة للرجاء والأمل لمن ينظر فيها ولن تجد أي شخص ينظر إليها لأنها سوف توحي له بعدم الدفء وعدم الأمان، وهذه تماماً كانت حالة الإنسان المُلقى عند البركة، لقد كان به المرض منذ 38 سنة، هذا المرض الذي جعله فاقد للرجاء وفاقد للأمل لكل مَنْ ينظر إليه، ولكن في لحظة عجيبة من الزمان يأتي إليه رب الرجاء، رب الأمل وأيضاً رب الحياة، ليعطي له الرجاء والأمل والحياة من جديد بل ويشفيه من ألأمه الروحية ( ها إنك قد شفيت، فلا تعد إلى الخطيئة لئلا تصاب بأسوأ)، قد شفاه من ألآمه الجسدية ( قم أحمل فراشك وأمش). 

وهنا أخواتي وأخوتي الأحباء يأتي السؤال الذي يطرح نفسه علينا اليوم وهو كيف أنظر للسيد المسيح الطبيب الحقيقي الشافي في أوقات الآلام النفسية والجسدية والروحية؟ هل أُسلم نفسي له وأقول له يارب اشفني أنت الطبيب الحقيقي؟ أم أسعى وراء أشخاص أو أشياء لتشفى هذه الجروح؟!

ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد. آمين