stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعوية

لماذا أصبحت كاهنًا؟وما مهمتي ككاهن؟-الأب/ميشيل ليبورديه

802views

images16لماذا أصبحت كاهنًا؟وما مهمتي ككاهن؟-الأب/ميشيل ليبورديه

منذ يوم رسامتي الكهنوتيّة، نلتُ موهبة خاصّة لأكون حضور المسيح وسط الشعب. ويقول القديس بولس: “اقتدوا بي كما أقتدي بالمسيح” (1كور1:11، 1تس 6:1-7) ولا يمكن أن أدّعي بأني نموذج للشعب، دون أن أشبع من النموذج الوحيد الحقيقي الذي هو المسيح، في حياته وأسلوب رسالته وآلامه وموته وقيامته. وهنا سؤال: ماذا يريد المسيح للإنسان؟ “حياة أفضل” (يو10:10) لذلك نقول إن المسيح خلّصنا من العبودية وكل أنواع تشويه الكرامة الإنسانية. وهناك بُعدان: – البُعد الإنسانيّ العامّ (التنمية والشفاء) – البُعد الدينيّ الخاصّ (إعلان البشرى السارة) ونشترك مع كل البشر- بغض النظر عن عقيدتهم- في البُعد الأول، بينما يُدخلنا البُعد الثاني في أسرة المسيحيين. أمّا يسوع ذاته فاهتم بالإنسان في كل مجالات حياته (الجسد- النفس- الروح- العلاقات…).

عندنا مثلان واضحان عن الهدف المتنوع لرسالة المسيح:

– (مر1:2-12): بدأ يسوع بشفاء الروح إذ قال: “مغفورة خطاياك” ولكن بعد هذا وأمام قساوة قلوب الفريسيين قال للمشلول: “قم واحمل فراشك وامشِ”.

– (يو1:5-14): بدأ يسوع في هذه المعجزة بشفاء الرجل المُلقى منذ زمان طويل أمام بركة الماء، وقال له: “قم احمل فراشك وامشِ” ولكن عندما قابله في الهيكل قال له: “أنت الآن تعافيت فلا تعُد إلى الخطيئة لئلا تُصاب بأسوأ”.

 

نرى في هذين المثلين أن يسوع لا يفصل بين البُعدين من الشفاء، كعلامة مجيء الملكوت. يشعر الكاهن أيضًا بالمسئولية عن الإنسان ككل، كما قال البابا بولس السادس في رسالته البابوية الأولى عن الكنيسة رقم101: “كل ما هو إنساني يخصّنا”. ويمكن أن نذكر بالتفصيل بعدي رسالتنا:

+ التنمية العامّة (البُعد الإنساني): (اجتماعيًا- اقتصاديًا- ثقافيًا) ويتم النمو الإنسانيّ في المجالات التالية:

– الصحة (التغذية- الوقاية- مكافحة ما يضر الإنسان “تلوث”- العلاج).

– المعرفة (التعليم: التوزيع العادل للمعلومات).

– الفكر (تربية العقل- الوعي).

– السلوكيات (تربية الضمير- أنا والآخر).

– التمكين في سبيل تغيير الحياة للأفضل.

– الفنون (تنمية الحس في الجمال)

– الثقافة والأدب

– الكفاح ضد كل أنواع الظلم المختلفة ومن أجل ممارسة حقوق الإنسان في كل مجالات الحياة الشخصية والجماعية.

+ البشرى السارة (البُعد الدينيّ المسيحيّ):

– العلاقات بين الله والبشر ومسيرتها في الكتاب المقدس (أحداث الخلاص منذ الخلق).

– معرفة الكلمة المتجسّد وحياته.

– معرفة الروح القدس رباط المحبة بين الآب والابن.

– الكنيسة: تأسيسها، تاريخها وحياتها اليوم.

– حياتنا الجديدة المبنية على الأسرار.

– المصالحة وغفران الخطايا في حياتنا.

– فكر وقناعات الكنيسة في تساؤلات حياة معاصرينا: العدالة- العنف واللاعنف

– الاختبارات العلمية حول الموت والحياة.

– التيارات والمدارس الروحية والعقائدية، المواهب. (الروحانيات ووسائل القداسة).

– قوانين المؤسسة الكنسية والسلطة (=الخدمة) فيها.

لا يوجد تناقض بين البُعدين بل تكامل، وإن إهمال أحدهما يعني ضعفًا في ممارسة رسالتنا. ويمكن أن نذكر هنا أن المسيح قال: “بدوني لا تستطيعون أن تعملوا شيئًا”، وهذا يعني أنّه العلّة الأولى في كل عمل بنّاء للإنسان (فردًا أو جماعة). وذلك بالنسبة إلى الإنسان المؤمن بالمسيح أو الإنسان الذي لا يعرفه بعد. وقال البابا بولس السادس: “نحن- المسيحيين- لسنا الحضارة ولكن نساهم في بنائها” (الرسالة البابوية الأولى عن الكنيسة، رقم102). ويعني ذلك أن البشر بأجمعهم يكوّنون الحضارة الإنسانية (والحضارات المختلفة)، وتقدّم الكنيسة تراثها في خدمة هذه الحضارة.

يشجّعنا المسيح على فهم رسالتنا مع كل المسيحيين في خدمة البشر الشاملة، إذ يقول: “مَن يؤمن بي يعمل الأعمال التي أعملها بل أعظم منها لأني ذاهب إلى الآب. فكل ما تطلبونه باسمي أعمله” (يو12:14). وهكذا يوسّع المسيح آفاق رسالة الكنيسة وقدراتها لخير البشرية ككل. وكم نحن بعيدون عن نداء المسيح، وغارقون بالإداريات أو بالصراعات العقائدية والطقسية والمالية، التي تشغل حيّزًا كبيرًا من مشاغلنا على حساب مهامنا الأساسية (مت23:23-24).

ويمكن أن نختم بمثل: لقد اجتمع مؤمنون بالمسيح لدراسة العلاقة بين الإيمان المسيحيّ وحقوق الإنسان فكتبوا بعد ذلك مقالاً صغيرًا إليكم نصّه: الإيمان وحقوق الإنسان لأول نظرة لا علاقة بين الاثنين، إذا قصدنا بكلمة الإيمان: العقيدة الدينية التي تؤهّلنا للحياة الأبدية مع الله. ولكن الإيمان بالمفهوم المسيحيّ هو موقف حياتيّ لإنسان يقبل نداء الروح القدس، لحياة جديدة بيسوع المسيح. وهذه الحياة الجديدة مبنية على علاقة بنوية مع الآب، وعلاقة أخويّة مع الإنسان، أخ صغير للمسيح البكر. ويمكن للإيمان أن يكون إيمانًا عقيمًا (مثل إيمان الشياطين يع19:2) وهو الإيمان دون أعمال المحبة للقريب. “إن قال أحد إني أحب الله، وأبغض أخاه فهو كاذب، لأن من لا يحب أخاه الذي يراه، كيف يقدر أن يحب الله الذي لا يراه” (1يو20:4). إذن الإيمان دون محبة باطل… ومحبة الله دون محبة الإخوة باطلة. والعنوان الصحيح ليس: الإيمان وحقوق الإنسان ولكن المحبة وحقوق الإنسان. والسؤال: ما هي المحبة؟ يقول أحد الفلاسفة: “الدنيا مؤسّسة على ثلاث دعائم:

1- القوة: سواء الماديّة أو الغريزية أو الإرادية.

2- الحق: العقل والإنصاف.

3- المحبة: الروح، العلاقات المجانية”.

كان يجب أن يصل المجتمع البشريّ، بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد كل ما ظهر في هذه الحرب من وحشية، إلى اتفاق حول الحدّ الأدنى الذي يجب أن يقبله الإنسان والمجتمع البشريّ ككل، في مجال العلاقات الإنسانية، حتى يعتبر نفسه عضوًا في أسرة البشر. في ذاك الوقت، كان العالم يشعر بأنّه أصبح قرية واحدة بسبب ثورة الاتصالات. كحد أدنى، لا يمكن أن نطلب من “إعلان حقوق الإنسان” أن يصل إلى عمق الكتاب المقدس الذي يتكلم عن حقوق الإنسان، ويذهب إلى أبعد ما يمكن.

مثلاً: بخصوص قضية المساواة بين الناس لا يكتفي الكتاب المقدس بأن كل الناس متساوون مبدئيًا بالكرامة والمشاركة بالوسائل الأساسية للحياة (الصحة- الأكل- التعليم- اللبس- السكن- الجنسية- الحرية..) ولكن الكتاب المقدس يضيف إلى ذلك مبادئ أساسية:

1- المساواة مصدرها الأساسي هو البنوة المشتركة بين الجميع لله الآب.

2- لا توجد أي محاباة عند الله (أع34:10). والله لا يفرّق بين الصالح والشرير في محبته، إذ يرسل شمسه ومطره على الجميع كما يقبل الجميع في قاعة عُرس ابنه (مت 45:5-9:9-13، 10:22).

3- ليس عند الله محاباة ولكن نجد لديه انحياز للناس المحرومين والمظلومين والضعفاء (انظر إلى نشيد مريم لو 52:1-53)، ويعبّر القديس بولس عن ذلك بقوة في رسالته إلى أهل كورنثوس: “تذكّروا أيها الإخوة أنّه لا يوجد فيكم من الحكماء بحكمة البشر ولا من الأقوياء والوجهاء. إلاّ أن الله اختار ما يعتبره العالم حماقة ليخزي الحكماء، وما يعتبره العالم ضعفًا ليخزي الأقوياء. واختار الله ما يحتقره العالم ويزدريه ويظنه لا شيء ليزيل ما يظنه العالم شيئًا حتى لا يفتخر بشر أمام الله…. فمن أراد أن يفتخر فليفتخر بالرب” (1كور26:1-31). “فمن ميّزك أنت على غيرك؟ وأي شيء لك ما نلته من الله؟ فإن كنت نلته فلماذا تفتخر كأنك ما نلته؟” (1كور7:4). كلنا مخلوقات بسطاء، نعيش بيد الله مطمئنين… ونفرح مع يسوع المسيح الذي قال: “أحمدك يا أبتِ رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه الأمور عن الحكماء والفهماء وأظهرتها للأطفال. نعم أيها الآب لأنك هكذا رضيته” (لو21:10).