من يصبر إلى المنتهى يخلص – الأب وليم سيدهم
تأتي هذه الجملة في النصوص التي تحدثت عن نهاية العالم، وعن الأحداث العظيمة التي ترافق مجيء ابن الإنسان أو مانسميه نحن يوم الدينونة الأخيرة.
الصبر ثم الصبر، لماذا؟ لأن الصبر مقترن بالزمن، وأي حدث مهما كانت قيمته يتطلب منا الصبر. ولأن الزمن يحمل في أحشاؤه الكثير من العناصر، فإننا نتعرض لكثير من الضغوط ومن الإلحاح لكي تتفاعل مع كل هذه العناصر المختلفة. فحينما تقوم الحروب تكون الأطراف المتحاربة قد درست أرض المعركة قبل بدأ الحرب. وتكون قد تبينت أين مواطن القوة ومواطن الضعف عند العدو. وقيمت جميع أسلحته من طائرات ودبابات وصواريخ وقنابل ولا شك في أننا سنكون جزءًا من هذه الحروب.
ولكن الحروب ليست بالضرورة تكون بين قوتين أو دولتين متكافئتين، فقد تكون هناك قوى عُظمى وقوى صغرى، مطمع للدول الكبرى سواء بسبب البترول أو الذهب أو اليورانيوم.
إن الصبر المطلوب من المؤمن، هو أن يظل ثابتًا في موقفه، لا يتزعزع، يعيش على أقل القليل من الطعام والشراب واللبس، يتحمل الجوع والعطش، يتحمل الأذية والتهديد لا ينهار نفسيًا أو عقليًا، يمد يده ليضعها في يد الله مثل الطفل الذي يتعلق في حضن أبيه، لأنه أضعف من أن يواجه مثل هذه الأحداث وغوائل الطبيعة من براكين وزلازل.
إن صبر المؤمن صبر فعّال وشجاع يساهم في تضميد الجروح وفي رعاية الفقراء وفي متابعة المرضى، لا بل وفي العمل من أجل المصالحة والسلام متى استطاع لذلك سبيلًا.
إن الصبر في الشدائد لا يقل عن الصلاة والدعاء فهو يهبنا السلام الباطني والرجاء في عمل الله غير المنظور، فيقول الكتاب: “بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ.” (لو 21: 19) إن الثبات في الموقف ملازم للصبر، فمن لا يصبر لا يمكن أن يثبت على حال.
إن الصبر في المكاره ليس فكرة مجردة أو فضيلة ندافع عنها، ولكن هو أخذ زمام وجودنا في هذا العالم بجدية ووعي، لقد صبرت مريم العذراء طوال 33 سنة وهي تتحمل تفاهات الفريسيين وتطاولهم على ابنها، لقد ظلت اسبوع الآلام صابرة، ووقفت تحت الصليب بصبر وثبات منقطع النظير، الصبر أيضًا يعني الانتظار، انتظار ما سيسفر عنه الصراع بين الحق والباطل، كما أن الصبر يعني الرجاء في المستقبل، فالإنسان الصبور يتجاوز حالة الإنسان الخامل والمستكين والمقهور ليرى ما وراء الأحداث