أساقفة اسبانيا : الحياة المكرسة مثال أخوّة في عالم جريح
نقلا عن الفاتيكان نيوز
9 يناير 2021
كتب فتحي ميلاد – المكتب الأعلامي الكاثوليكي بمصر .
الحياة المكرّسة هي “مثال أخوّة في عالم جريح”: هذا ما كتبه أساقفة إسبانيا في الرسالة التي صدرت بمناسبة اليوم العالمي للحياة المكرّسة، الذي يُحتفل به في الثاني من شباط فبراير، في عيد تقدمة يسوع إلى الهيكل.
“رجاء للعالم”، “خميرة المسيح في البشرية”، يتذكر الأساقفة الأشخاص المكرّسون “بامتنان” وتقدير لما يقدّمونه من “التزام” و”شهادة” للعالم. في الوقت عينه، يريد اليوم العالمي للحياة المكرّسة أن يقدم للأشخاص المكرسين – كما يؤكّد أساقفة اسبانيا – فرصة مواتية لتجديد وإحياء مشاعر التفاني للرب. وإذ ذكّروا بكلمات القديس يوحنا بولس الثاني، أكّد الأساقفة: نكرر الدعوة إلى المكرسين للتطلع إلى المستقبل برجاء، مدركين أمانة الله وقوة نعمته القادرة على خلق عظائم جديدة على الدوام.
وتذكر الكنيسة الإسبانية أنه في عام ٢٠٢١، سيبلغ اليوم العالمي للحياة المكرّسة خمسة وعشرين عامًا: إنَّ البابا فويتيلا، في الواقع، هو الذي أنشأه في عام ١۹۹٥. ويكتب الأساقفة هذا التاريخ يسمح لنا بالنظر إلى الوراء ولكنه يشجعنا أيضًا لكي نقوم بخطوات جديدة إلى الأمام، عالمين أننا ما زلنا نحمل نور القائم من بين الأموات، القادر على أن ينير أي ظلام، وأي شك. بالإشارة إلى الموضوع الذي تمَّ اختياره لهذه المناسبة، يسلّط أساقفة اسبانيا الضوء على أنّه يذكّر بدعوة ورسالة الأشخاص المكرسين في الكنيسة وفي المجتمع، كعلامة مرئية على الحقيقة المطلقة للإنجيل وقرب الآب من كل إنسان. وفي العالم الجريح وفي البحر المضطرب للقرن الحادي والعشرين، يحث الأساقفة الإسبان على الأخوَّة وعلى الاعتراف بـ “كرامة كل شخص بشري” و”السير كبشرية واحدة”.
ويتابع أساقفة اسبانيا رسالتهم ويكتبون إنَّ العالم جريح، وفي معظم أنحاء كوكبنا، ينزُّ الجرح ليلاً ونهارًا، في السياسة، في الاقتصاد، وفي الحياة الاجتماعية، لدرجة أن “سوء المعاملة والمعاناة قد أصبحت أمورًا مزمنة”. إنَّ الجوع والبؤس والحرب والاضطهاد والاستغلال ليسوا أمورًا من الماضي وإنما يملكون وجهًا ملموسًا في العديد من الاشخاص الذين يعانون بسبب أشكال جديدة من الظلم والألم واليأس، في الأشخاص المتضررين من وباء فيروس الكورونا والمرضى والمسنّين والأشدَّ ضعفاً؛ في ضحايا الكوارث الطبيعية؛ في المهاجرين واللاجئين الذين يهربون بالآلاف من الرعب ولا يجدون التفاهم والمأوى في أراضينا؛ في العائلات المشتتة، التي دمرها العنف والعزلة؛ في الأشخاص الذين يتعرّضون لسوء المعاملة ويُنتهكون في كرامتهم وحقوقهم الأساسية، وأيضًا من قبل الذين يجب عليهم حمايتهم والدفاع عنهم. بعدها يتوجّه فكر الأساقفة إلى الشباب والعاطلين عن العمل من جميع الأعمار الذين، وإذ يشعرون بالإحباط والضعف، يبحثون عن فرصة لن تصل أبدًا.
في هذه “الوجوه المهمّشة” يجد المكرّسون انعكاسهم لأنهم يرون فيها “المسيح العطشان، الذي يتعرّض لسوء المعاملة، والغريب والمسجون؛ في هاوية البشريّة هذه، يقترب المكرسون من الجميع بدون استثناء، وفي قلوبهم الرحيمة والمرسلة يحملون الأخوّة البشرية. أقوياء بواقع أن “جروح العالم ليست نهائية ولن تكون أبدية”، يدعو الأساقفة الأشخاص المكرّسين لكي يحملوا المسيح إلى العالم، ويولِّدوا الصبر والمغفرة حيث يزرع الآخرون الغضب والحقد؛ ويُطلِقوا مشاريع مشتركة ومثمرة حيث يرسم الآخرون الحدود ويحفرون الخنادق ويقيمون الجدران؛ ويطيعون الرب بحرية حيث يمارس الآخرون الفردية العمياء، ويختارون بفرح فقر المسيح حيث يركب الآخرون الجشع؛ ويحلمون بمعانقة محبة الله التي توسع الحياة، حيث ينجذب الآخرون إلى الكبرياء.
ويختتم أساقفة اسبانيا رسالتهم بمناسبة اليوم العالمي للحياة المكرّسة بالقول إنَّ الأخوة الإلهية هي بشرية والأخوّة البشريّة هي إلهية. هذا هو نموذج المكرسين والمكرّسات الذين يتحولون، وسط العديد من التحديات، في أكثر بقاع العالم قسوة أو في أي دير، إلى مرهم لجروح العالم. فيهم ومعهم نصغي إلى صوت يسوع المسيح الذي يقول لنا: “إذهب أنتَ أيضاً واعمل هكذا”.