البابا : يريد لنا ربّ الحياة أن نكون ممتلئين بالحياة
موقع زينت
24 نوفمبر 2020
كتبت ريتا عاطف من المكتب الإعلامي الكاثوليكي بمصر
النص الكامل للقداس الإلهي لمناسبة عيد يسوع الملك يوم الأحد 22 نوفمبر 2020
ما سمعناه للتو هو الصفحة الأخيرة من إنجيل متى قبل آلام الرّبّ يسوع: قبل أن يعطينا يسوع محبته على الصليب، قال لنا ما يريد منا. قال لنا إنّ الخير الذي سنفعله لأحد أصغر إخوته – الجائع، والعطشان، والغريب، والعريان، والمريض، والمسجون – له نصنعه (را. متى 25، 37-40). إنّه يضع بين أيدينا قائمة بالعطايا التي يريدها منا للاحتفال بالعرس الأبدي معنا في السماء. إنّها أعمال الرحمة التي تجعل حياتنا أبدية. قد يسأل كلّ منا: هل أنفذها؟ هل أفعل شيئًا للمحتاج؟ أم أفعل الخير للأحباء والأصدقاء فقط؟ هل أساعد أحدًا لا يستطيع في ما بعد أن يرد لي المساعدة؟ هل أنا صديق لإنسان فقير؟ وهكذا، الكثير من الأسئلة يمكننا طرحها على أنفسنا. يقول لك يسوع: “أنا هناك”، “أنا أنتظرك هناك، حيث لا يمكنك أن تتخيل وحيث ربما لا تريد حتى أن تنظر، هناك في الفقراء”. أنا هناك، حيث الفكر السائد هو: الحياة هي على ما يرام إن كانت كذلك لي وغيري لا يهمني. أنا هناك، مع الفقراء، يقول يسوع لك أيضًا، أيّها الشاب الذي تحاول أن تحقق أحلام الحياة.
قال يسوع قبل قرون لجندي شاب: أنا هناك. كان شابًّا عمره ثماني عشرة سنة ولم يكن قد اعتمد بعد. في أحد الأيام رأى الجندي الشاب رجلاً فقيرًا يطلب المساعدة من الناس، ولم يهتم له أحد، بل “الجميع مروا عنه” وتركوه. أما هذا الشاب، “فلما رأى أنْ لم يشفق عليه أحد، فهم أنّ ذاك الفقير حفظه الله” له. ولم يكن معه شيء إلا رداء يرتديه لعمله. فنزع رداءه وقسمه وأعطى نصفه للفقير، وتحمّل سخرية بعض الساخرين من حوله. في الليلة التالية حلِم ورأى في الحلم يسوع مرتديًا نصف الرداء الذي لفَّ به الفقير. وسمعه يقول: “ألبسني مارتينس هذا الثوب” (cfr Sulpicio Severo, Vita Martini, III). كان القديس مارتينس شابًا عندما رأى هذا الحلم لأنّه عاشه، حتى دون أن يعرف، مثل الصالحين في إنجيل اليوم.
أيّها الشباب الأعزاء، أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء، لا نتنازلْ عن الأحلام الكبيرة. لا نكتفِ بما هو واجب. لا يريدنا الرّبّ يسوع أن نضّيق آفاقنا، ولا يريدنا أن نقف على أطراف الحياة، بل يريدنا أن نسير نحو أهداف سامية بفرح وجرأة. لم نُخلق لنحلم بالإجازات أو عطلات نهاية الأسبوع، بل لتحقيق أحلام الله في هذا العالم. جعلنا الله قادرين على أن نحلَم لنعانق جمال الحياة. وأعمال الرحمة هي أجمل أعمال الحياة. يجب أن تكون أعمال الرحمة في مركز أحلامنا الكبيرة. إن كنت تحلم بالمجد الحقيقي، وليس بمجد العالم الذي يأتي ويذهب، ولكن بمجد الله، فأنت على الطريق.اقرأ مقطع إنجيل اليوم، وتأمل فيه. لأنّ أعمال الرحمة تُمجِّد الله أكثر من كلّ شيء آخر. أصغوا جيدًا إلى هذا: أعمال الرحمة تُمجِّد الله أكثر من كلّ شيء آخر. وسيُحكم علينا في النهاية على أعمال الرحمة.
ولكن من أين نبدأ من أجل أن نحقق الأحلام الكبيرة؟ من الخيارات الكبيرة. عن هذا أيضًا يكلمنا إنجيل اليوم. في الواقع، في لحظة الدينونة الأخيرة، ينظر الرّبّ يسوع إلى خياراتنا. يبدو وكأنه هو لا يحكم: إنه يفصل فقط الخراف عن الجداء، ولكن أن نكون صالحين أو سيئين، فهذا يعتمد علينا. هو يستخلص فقط نتائج خياراتنا، ويظهرها ويحترمها. إذن الحياة هي وقت الخيارات القوية والحاسمة والأبدية. تؤدي الخيارات المبتذلة إلى حياة مبتذلة، والخيارات الكبيرة تجعل الحياة كبيرة. نحن، في الواقع، نصبح ما نختار، خيرًا أو شرًّا. إذا اخترنا أن نسرق، سنصبح لصوصًا، وإذا اخترنا أن نفكر في أنفسنا، سنصبح أنانيين، وإذا اخترنا أن نكره، سنصبح غاضبين، وإذا اخترنا أن نقضي ساعات أمام الهاتف النقال، سنصبح مدمنين. لكن إذا اخترنا الله، سيزيد قُربُنا من حب الله لنا كل يوم. وإذا اخترنا أن نحب سنصبح سعداء. هذا صحيح، لأنّ حُسن الاختيار يعتمد على المحبة: لا تنسوا هذا.
صحيح أنّ هناك عقبات تجعل الاختيارات صعبة: مثلًا وغالبًا هو الخوف، وانعدام الأمن، والأسئلة التي تبقى من دون جواب. الكثير من الأسئلة. لكن المحبة تطلب منا أن نذهب أبعد من ذلك، وألّا نبقى معلّقين بالسؤال لماذا منتظرين أن يأتينا الجواب من السماء.الجواب قد وصل: إنّها نظرة الآب هي التي تحبنا وأرسلت الابن إلينا. لا، المحبة تدفعنا إلى أن ننتقل مِن السؤال ” لماذا”؟ إلى السؤال “لِمن”؟، مِن السؤال: لماذا أعيش إلى: مِن أجل مَن أعيش، مِن: لماذا يحدث هذا لي، إلى: مِن أجل مَن أستطيع أن أفعل الخير. لِمن؟ ليس فقط مِن أجلي: الحياة مليئة بالفعل بالخيارات التي نتخذها لأنفسنا، للحصول على شهادة، وأصدقاء، وبيت، ولإرضاء اهتماماتنا وهِواياتنا. ونوشك بـأن نقضي سنوات في التفكير في أنفسنا دون أن نبدأ في المحبة. قدم الكاتب مانزوني نصيحة جيدة للشباب: “يجب أن تفكر أكثر في عمل الخير من أن تكون أنت في خير، وبهذه الطريقة سينتهي بك الأمر إلى بلوغ الأحسن”
كلّ يوم، يواجه القلب خيارات كثيرة. أوّد أن أقدم لكم نصيحة أخيرة حتى تتدربوا على حسن الاختيار. إذا نظرنا إلى داخل أنفسنا، وجدنا سؤالين مختلفين يظهران فينا غالبًا. الأوّل هو: ماذا أحب أن أفعل؟ هذا سؤال يخدعنا، لأنّه يُلْمح إلى أنّ المهم هو أن نفكر في أنفسنا ونستجيب لكلّ الرغبات والاندفاعات فينا.