stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أدبية

الحرية في الأخلاق المسيحية

2kviews

consiglio

الحرية في الأخلاق المسيحية

الأب منير سقال

مقدمة لم يتوصل البشر كما توصلوا اليوم إلى إدراك معنى الحرية بكل أبعادها ، ولكن في الوقت نفسه تظهر أشكال جديدة من الاستعباد الاجتماعي والنفسي . فالأفراد والجماعات ظمئون لحياة ملأى وحرة، وطريق الحرية وطريق الاستعباد مفتوحان أمامه ، وكذلك طريق التقدم أو التقهقر ، وطريق الأخوة والبغض . غير أن الإنسان يتجه نحو الخير بملء حريته ، هذه الحرية التي يعتبرها معاصرونا اعتباراً عظيماً ويبحثون عنها بكل حماس ، وهم في ذلك على حق ، ولكن غالباً ما يعززونها بطريقة منحرفة أنها إجازة لصنع كل شيء يجلب السرور حتى وإن كان شراً . إن وعي الناس في عصرنا لكرامة الشخص البشري يتزايد يوماً بعد يوم ، كما أنه يتزايد عدد أولئك الذين يطلبون بإلحاح حتى يتمكن الناس من أن يتصرفوا وفقاً لآرائهم الخاصة متحملين مسؤوليتهم ومتمتعين بكامل حريتهم ، لا يواجههم ضغط بل شعورهم بالواجب . يقول القديس بولس : ” إنكم أيها الأخوة ، قد دعيتم إلى الحرية ” ( غلاطية 5/13 ) ، هذه الدعوة هي ركن أساسي من أركان إنجيل الخلاص ، لقد جاء يسوع ” ليبلغ المأسورين إطلاق سبيلهم ويفرج عن المظلومين ” ( لو 4/18 ) ، والكنيسة إذاً تضطلع بدورها في فهم الأمور على ضوء الإنجيل الذي هو بطبيعته رسالة حرية وتحرّر تتبنى هذه التطلعات التي تنكشف على ضوء معاني الخلق والفداء .

” الحقيقة تحرّركم ” ( يو 8/32 ) ، تتمحور هذه الحقيقة المنزلة من الله حول المسيح مخلص العالم الذي منه – وهو الطريق والحق والحياة ( يو 14/6 ) ، – تنهل الكنيسة ما تزود به الناس ، وتستقي ، من سر الكلمة المتجسدة وفادية العالم ، الحقيقة عن الأب ومحبته لنا ، كما الحقيقة عن الإنسان وحريته . ما يعني أن تكون حراً ؟ إن الإجابة العفوية على هذا السؤال هي أن الحر من استطاع أن يفعل فقط ما يريده من دون أن يردعه إكراه خارجي ، وتمتع بالتالي باستقلال تام ، وعليه كان انقياد إرادته لإرادة غريبة نقيضاً للحرية . لكن ، هل يعلم الإنسان دائماً ماذا يريد؟ وهل يستطيع كل ما يريد ؟ وهل الاكتفاء بحدود الذات والانفصال عن إرادة الآخر مطابق لطبيعة الإنسان ؟ غالباً ما لا تكون إرادة اللحظة الراهنة هي الإرادة الفعلية ، وقد يتواجد في الإنسان الواحد ارادات متناقضة ، وبالأخص يصطدم الإنسان بحدود طبيعته الخاصة ، فهو يريد أكثر مما يستطيع وبالتالي فإن الحاجز الذي يعترض إرادته لا يتأتى دائماً من الخارج ، بل من حدود كينونته . دعوة الخالق ” إن الله يأخذ بعين الاعتبار كرامة الشخص البشري الذي خلقه بذاته والذي يجب أن يتصرف وفقاً لحكمه الشخصي بممارسة حريته ” ( بيان في الحرية الدينية ، 11 ) .

إن صورة الله في الإنسان هي الركن الذي تستند إليه حرية الشخص البشري وكرامته ، فإنه عندما خلق الله الإنسان طبع فيه صورته ومثاله ، لذلك يفهم الإنسان دعوة الخالق له ، من خلال نزوع طبيعته وتوقها نحو الخير الأسمى وأيضاً من خلال كلمة الوحي ، التي وجدت صيغتها التامة في المسيح ، وقد كشفت للإنسان أنه خلق حراً ، ليتمكن ، بالنعمة ، من الدخول في مودة الله وتكون له شركة في حياته الإلهية . لا حرية إنسانية بدون مشاركة في الحرية، ولا تلغى أبداً مقدرة الإنسان على تحقيق ذاته من خلال تبعيته لله ” تؤكد الكنيسة أن الاعتراف بالله لا يعاكس بأية طريقة من الطرق كرامة الإنسان لأن في الله ذاته ما يبرر هذه الكرامة وما يكملها ، فالله الخالق أقام الإنسان في مجتمع وزيّنه بالفهم والحرية ” . ( الكنيسة في عالم اليوم 21 ) . الخطيئة : مصدر تفرقة وقهر ” لقد أقام الله الإنسان في حالة من البرارة غير أن الشرير أغواه منذ بدء التاريخ فأساء استعمال حريته واقفاً في وجه الله ، راغباً في أن يصل غايته بدونه تعالى ” ( الكنيسة وعالم اليوم ).يدعو الله الإنسان إلى الحرية ، وفي كل واحد منا تشتعل الرغبة في أن يكون حراً ، ومع ذلك وبصورة شبه دائمة ، لا تقود هذه الإرادة إلا إلى العبودية والقهر ، لذلك يفترض كل التزام بالتحرر والحرية المواجهة مع هذه المفارقة المأسوية . إن الخطيئة ، تحت إرادة الحرية ، تكمن في إنكار طبيعة الإنسان الخاصة ، طالما يريد الإنسان أن يريد كل شيء ويعمل كل شيء متناسياً أنه محدود ومخلوق ، فهو لا ينفك عن تماديه في إدّعاء الألوهة ، ” وتصيران كآلهة ” ( تك 3/5 ) ، تلك هي طبيعة الخطيئة العميقة . صحيح أن الإنسان مدعو لكي يتمثّل بالله ، لكن هذا التمثل لا يكون من خلال إرادة تتصرف على هواها ، بقدر ما يكون من خلال إقرار بأن الحقيقة والمحبة هما في آن واحد مبدأ الحرية وغايتها . والإنسان ، باقترافه الخطيئة ، ينافق على نفسه وينفصل عن حقيقته ، وبسعيه إلى الاستقلال الكامل والاكتفاء الذاتي ، ينكر الله ، كما ينكر ذاته ، وبإنكاره هذا أو بمحاولته إنكار الله ، المبدأ والغاية ، يؤذي إيذاءً عميقاً ، ليس فقط نظامه وتوازنه الداخلي ، بل نظام وتوازن المجتمع والخليقة المنظورة . يشير سفر التكوين ، سواء في ما يتميّز به العمل من مشقة ، والأمومة من عناء ، وعلاقة الرجل والمرأة من هيمنة ، أو في الموت ، إلى عواقب الخطيئة الأصلية ، مما جعل البشر بعد أن حرموا النعمة الإلهية ، يرثون طبيعة مشتركة ، قابلة للموت ، عاجزة عن الثبات في الخير ، مدفوعة إلى الطمع .

بالخطيئة يحاول الإنسان أن يتحرر من الله ، لكنه في الواقع يتحول إلى كائن مستعبد ، لأنه برفضه المطلق ينزلق حتماً إلى التعلق بالمخلوق على نحو مضل وهدّام ، فيحشد الإنسان في المخلوق رغبته الجامعة إلى المطلق ، لكن الأشياء المخلوقة محدودة ، لذلك يظل قلبه يجري من مخلوق إلى آخر ، سعياً وراء سلام مستحيل ، فيفقد بالتالي معنى كينونته المخلوقة لزعمه العثور على محوره ووحدته في ذاته وينزع إلى إثبات وإشباع رغبته إلى المطلق عن طريق تداول الأشياء : المال ، الجاه ، السلطة ، اللذة … الإلحاد انعتاق خاطئ للحرية ” إن الإلحاد الحديث يظهر غالباً بشكل مذهبي يدفع بميل الإنسان إلى السيادة إلى حد يصعب فيه الارتباط بالله ، فتقوم الحرية بما يلي : الإنسان هو غاية في ذاته ، هو الذي يصنع تاريخه وينظمه بذاته ” ( الكنيسة وعالم اليوم ، 20 ) . يصبح ذلك بياناً ، عندما يعتبر الإنسان الخاطئ أنه لا يستطيع إثبات حريته الذاتية إلا إذا نفى الله نفياً قاطعاً ، وإن تبعية المخلوق للخالق أو تبعية الضمير الأخلاقي للشريعة الإلهية ، عبودية لا تطاق . ويرى في الإلحاد الشكل الحقيقي لانعتاق الإنسان وتحرره ، فيرفض في آن واحد فكرة الله وفكرة الخطيئة . الإنجيل رسالة حرية وتحرر ” غير أن الحرية الإنسانية التي جرحتها الخطيئة لا تستطيع أن تسير نحو الله كلياً وبطريقة فعلية إلا بمعونة النعمة الإلهية ” ( الكنيسة وعالم اليوم ، 17 ) .

لو كان الله تخلى عن خليقته ، لأفضى بنا التاريخ البشري ، المطبوع بتجربة الخطيئة ، إلى اليأس ، لكن الوعود الإلهية بالتحرير والوفاء بها المظفّر ، في موت المسيح وقيامته ، كانت أساس ” الرجاء المفرح ” الذي منه استمدت الجماعة المسيحية قوة العمل الجاد والفاعل في خدمة المحبة والعدل والسلام . الإنجيل رسالة حرية وقوة تحرير يحقق رجاء شعب الله . هذا الرجاء تجسّده مريم العذراء ، وتعلن بفرح الزمن المسيحاني ، مهللة للرب في ” نشيد التعظيم ” فتشيد لسر الخلاص . حرية أبناء الله ” إنه ما من شريعة إنسانية تستطيع أن تحافظ على كرامة شخصية الإنسان وحريته ، مثلما يحافظ عليهما إنجيل المسيح الذي سُلم إلى الكنيسة ، فهذا الإنجيل يبشر بحرية أبناء الله ويعلنها ويرفض كل استعباد ، لأن الاستعباد ، بعد البحث والتدقيق يأتي من الخطيئة . ” ( الكنيسة وعالم اليوم ، 41 ) . فالمسيح قد حرّرنا لنكون أحراراً ( غل 5/1 )، وهو الذي يقيم فعلاً عهد الحرية الكاملة والنهائية لكل من اتحد به بالإيمان والمحبة ، سواء أكان يهودياً أم وثنياً . ” ما من أحد يتحرر تحرراً كاملاً من ضعفه أو عزلته أو استعباده ، بل جميعهم بحاجة إلى المسيح المثال والمعلم والمحرر والمخلص والمحيي ، فالإنجيل كان حقاً في تاريخ البشرية حتى الزمني منه ، خمير حرية وتقدم ، كما أنه لا يزال دوماً بذاته خمير أخوّة ووحدة وسلام ، ولذا فالمسيح لا يحتفى به بدون داع ” كانتظار الشعوب ومخلصهم ”  ( قرار مجمعي في نشاط الكنيسة الارسالي ، 78 ) .طبيعة الحرية المسيحية ” لأن الرب هو الروح ، وحيث يكون روح الرب تكون الحرية ” ، ( 2 قو 3/17 ) . إن الحرية المسيحية لها انعكاساتها على المستوى الاجتماعي ، إلا أنها تقوم في ما هو أسمى من ذلك ، فهي سهلة المنال للعبيد والأحرار ، لأنها لا تفترض تغيير الحال الذي كان عليه المرء ” فإن كنت عبداً حين دعيت فلا تُبال، ولو كان بوسعك أن تصير حراً ، فالأولى بك أن تستفيد من حالك ، لأنه من دعي في الرب وهو عبد كان عتيق الرب ” ( 1 قو 7/12 ) ، ففي العالم الروماني – اليوناني، الذي كان يرى في الحرية المدنية الأساس الأول للكرامة الشخصية ، كانت هذه الحرية المسيحية أمراً متناقضاً مع العقل ، لكن بهذه الطريقة ، ظهرت بوضوح أكبر قيمة التحرير الجذري الذي يقدمه لنا المسيح . فالحرية المسيحية ، التي هي أبعد من أن تكون ثمرة عقيدة ذهنية مجردة عن الزمن ، هي بالأحرى نتيجة حدث تاريخي هو موت المسيح الظافر ، واتصال مباشر هو الاتحاد بالمسيح في المعمودية ، والمؤمن الحر يعيش منذ الآن وإلى الأبد في صلة حميمة مع الأب ، دون أن تعرقله قيود الخطيئة والموت والشريعة . 

التحرّر المسيحي 

1- من الخطيئة : ” لقد نجانا الله من سلطان الظلمات ، ونقلنا إلى ملكوت ابنه الحبيب ، فكان به الفداء وغفران الخطايا ” ( كو 1/13 – 14 ) . الخطيئة هي القوة الغاشمة التي ينتزعنا يسوع المسيح من نيرها ، والحرية التي أعدّها المسيح في الروح القدس أعادت إلينا المقدرة التي حرمتنا منها الخطيئة ، على أن نحب الله فوق كل شيء ونبقى على اتصال معه . لقد تحرّرنا من محبة ذاتنا العشوائية ، مصدر ازدرائنا القريب ، ومن علاقات الهيمنة بين الناس ، على الرغم من استمرار الظلم في العالم ، إلى يوم يعود بالمجد ذلك القائم من الموت ، ينبّه القديس بولس إلى أن ” المسيح قد حرّرنا لنكون أحرارً ” ( غل 5/1 ) . لذلك ينبغي لنا أن نصمد ونناضل لئلا نسقط من جديد تحت نير العبودية ” تعرفون الحق والحق يحرّركم … من يرتكب الخطيئة يكن عبداً ، والعبد لا يقيم في البيت للأبد ، بل الابن يقيم للابد ، فإذا حرّركم الابن صرتم أحراراً حقاً . ” ( يو 8/32 – 36 ) . 

2- من الموت : فليس بعد الآن من هلاك للذين هم في يسوع المسيح لأن شريعة الروح الذي يهب الحياة في يسوع المسيح قد حرّرتني من شريعة الخطيئة والموت ” ( روم 8/1 – 2 ) قد تم الانتصار على الموت الرفيق الملازم للخطيئة ( تك 2/17 ) ، لقد فقد شوكته ( 1كو 15/56 ) ، ولم يعد المسيحيون عبيداً لمخافة الموت ، أجل لن يتم هذا التحرّر الكامل إلا عند القيامة المجيدة ونحن ما زلنا ننتظر افتداء أجسادنا ( روم 8/23 ) ، لكن الأزمنة الأخيرة قد بدأت بنوع ما ، وانتقلنا من الموت إلى الحياة على قدر ما نحيا في الإيمان والمحبة ( 1يو 3/14 ) . 

3- من الشريعة : ” فلا يكونن للخطيئة من سلطان عليكم من بعد فلستم في حكم الشريعة ولكنكم في حكم النعمة . ” ( روم 6/14 ) أعلن القديس بولس هبة شريعة الروح الجديدة ، خلافا لشريعة الجسد والطمع التي تنزع بالإنسان إلى الشر وتعيقه عن اختيار الخير. وبما أننا متنا – سرياً – مع المسيح ” عما كان يعتقلنا ، فقد حللنا من الشريعة وأصبحنا نعمل في نظام الروح الجديد ، لا في نظام الحرف القديم ” ( روم 7/6 ) ، ولا نقدر أن نجد مبدأ خلاصنا بتتميم شريعة خارجية ، فنحن الآن نعيش في عهد جديد ، نجد فيه قاعدة سلوكنا في الانقياد للروح القدس المنسكب في قلوبنا ” فإذا كان الروح يقودكم فلستم في حكم الشريعة ” ( غل 5/18 ) . حقاً ، لا يزال القديس يتكلم عن ” شريعة المسيح ” (غل 6/2 ) ، والشريعة تحتفظ بقيمتها بالنسبة للإنسان وللمسيحي لأنها مقدسة والوصية مقدسة عادلة صالحة (روم 7/12 ) ، إلا أن هذه الشريعة تتلخص في المحبة وبالانقياد للروح القدس ، نحن نتمّمها تلقائياً ، لأنه ” حيث يكون روح الرب ، تكون الحرية ” ( 2 كور 3/17 ) . مؤكداً بذلك الوصايا العشر مقارناً بينها وبين المحبة التي هي ملؤها الحقيقي . 

4- من سائر العبوديات : عند تحرّره يمتلئ المؤمن شجاعة وثقة وفخراً ، يتحرّر بقول كل شيء ” كل شيء يحلّ لي ” ( 1 قور 6/12 )، فأتخذ من ذلك شعاراً له ، ولكنه شوّه معناها ( الحرية ) ، فلا يجب أن ينسى المؤمن أنه منتمٍ إلى الرب ، وإنه مدّعو إلى القيامة من بين الأموات . ” إنكم ، أيها الأخوة ، قد دعيتم إلى الحرية ، على أن لا تجعلوا هذه الحرية سبيلاً لإرضاء الجسد ” ( غ غل 5/13 ) ، ولا نجعل من الحرية ستاراً للخبث ، بل نبتعد عن ادناس الدنيا ، ولا نعود إلى ” تلك الأركان الضعيفة الحقيرة وتريدون أن تعودوا عبيداً لما كنتم قبلا ؟ ” ( غل 4/9 ) . خاصة وأن الفداء قد تمّ بدم ثمين ” وقد علمتم أنكم لم تُعتقوا بالفاني من الفضة أو الذهب من سيرتكم الباطلة التي ورثتموها عن آبائكم ، بل بدمٍ كريم ، دم الحمل الذي لا عيب فيه ولا دنس ، أي دم المسيح ” ( 1بط 1/18 – 19 ) . ممارسة الحرية المسيحية ” وليقودوا حسب طبيعتهم إلى تقدم عام في الحرية الإنسانية والمسيحية ، وهكذا عبر أعضاء الكنيسة ، ينير المسيح بنوره الخلاصي المجتمع الإنساني بأسره أكثر فأكثر .

” ( دستور عقائدي في الكنيسة ، 36 ) . ” كل شيء حلال ، ولكن ليس كل شيء يبني ” ( 1 كو 10/23 ) ، قد يطلب منا ضميرنا أن نتنازل عن حقوقنا في سبيل مصلحة الأخوة ، إن هذا لا يعتبر بلا شك حداً لحريتنا ، بل طريقاً لممارستها بنوع أسمى . والمؤمنون إذا ما تحرروا من عبوديتهم السابقة ليخدموا الله ” عليهم أن يصيروا بالمحبة عبيدَ بعضهم البعض ” ( غل 5/13 ) ، كما يوجههم الروح القدس ، وإذ جعل بولس نفسه خادماً ، أو بمعنى آخر – عبداً لأخوته ( 1 كو 9/19 )، لم يفقد حريته لكنه كان مقتدياً بالمسيح وهو الابن الذي جاء ليخدم . ويقول القديس بولس أن المحبة هي كمال الشريعة ( روم 13/8 – 10 ) . ولا تعرف محبة القريب حدوداً ، بل تتسع للأعداء والمضطهدين ويتمثّل الكمال ، على صورة كمال الله ، بالرحمة التي يتوجب على تلميذ المسيح أن يكون مشدوداً إليها . تستمد المحبة المسيحية ، المجانية والشاملة ، طبيعتها من محبة المسيح الذي وهبنا حياته : ” فليحب بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم ” ( يو 13/34 – 35 ) ، هذه هي الوصية الأولى الموّجهة للتلاميذ . ويؤكد القديس يوحنا أن من يتصرف بثروات هذا العالم ، ويغلق قلبه بوجه قريبه المحتاج ، لا يستطيع أن يحظى بمحبة الله المقيمة في داخله. إن محبة الأخ هي محك محبة الله ” لأن الذي لا يحب أخاه وهو يراه ، لا يستطيع أن يحب الله وهو لا يراه ” ( 1يو 4/20 ) . هذه المحبة الإنجيلية والدعوة إلى النبوّة الإلهية الموجهة إلى جميع الناس ، تفرضان فرضاً مباشراً وجازماً احترام حقوق الكائن البشري بالحياة والكرامة . لا فارق بين محبة القريب وإرادة العدل ، التعارض بينهما تشويه للمحبة والعدل معاً ، لا بل يكمّل معنى الرحمة معنى العدالة ، بالحؤول دون انغلاقها في دائرة الثأر . 

نحو ملء الحرية 

1- الكنيسة والرجاء الأخروي والالتزام بالتحرر الزمني : ” هكذا إذ تقوم الكنيسة برسالتها الخاصة تساهم بذلك أيضاً بعمل التمدن وتدفع إليه ، إن عملها ، حتى الطقسي ، يساعد على صوغ حرية الإنسان الداخلية ” ( الكنيسة وعالم اليوم ، 85 ) . إن الكنيسة ، في طواعيتها للروح ، تتقدم بإخلاص على سبل التحرر الأصيل ، فهي شعب إله الميثاق الجديد ، وشريعة المحبة وصيتها ، يسكن الروح في قلب أعضائها ، كما في هيكل . أنها نواة وبداية ملكوت الله على الأرض . لذلك يقود الله شعبه نحو ملء الحرية ، بعد أن منحه عربون روحه . وأورشليم الجديدة المنتظرة بشوق تدعى بحق مدينة الحرية ، عندئذ ” يكفكف ( الله ) كل دمعة تسيل من عيونهم . لم يبق للموت وجود ولا للبكاء ولا للصراخ ولا للألم، لأن العالم القديم قد زال ” ( رؤيا 21/4 ) ، إن الرجاء هو الانتظار الثابت ” لسماوات جديدة وأرض جديدة تقيم فيها العدالة ” ( 2 بط 3/13 ) .  ورجاء الآخرة هذا لا يضعف الالتزام في سبيل تقدم المدينة الأرضية بل يمنحه معنى وقوة . فالكنيسة المستنيرة بالروح القدس تميّز بين علامات الأزمنة الواعدة بالتحرير وبين تلك الخادعة والوهميّة ، داعية الإنسان والمجتمعات إلى العمل على إيجاد الظروف الملائمة للحرية الصحيحة . وعياً منها بأن كل هذه القيم : الكرامة الإنسانية والاتحاد الأخوي والحرية ، التي تمثل ثمرة الجهود المنسجمة مع مشيئة الله ، نجدها ” منضحة من كل وصمة ، ومضيئة ومتجلية عندما يسلم المسيح الآب الملكوت الأبدي الشامل ” ( الفرح والرجاء ، 39/3 ) ، الذي هو ملكوت الحرية .

2- اللقاء النهائي مع المسيح : ” تكلموا واعملوا مثل الذين سيدانون بشريعة الحرية ” ( يع 2/13 ) إن تجلي الكنيسة بواسطة المسيح القائم من الموت ، في ختام مطافها لا يلغي مطلقاً المصير الشخصي لكل فرد في ختام حياته الخاصة . فكل من ظهر فاضلاً أمام منبر المسيح ، بعد أن يكون قد أحسن التصرف ، بنعمة الله ، في اختياره الحر ، يحظى بالسعادة التي تجعله على مثال الله لأنه حينئذ يراه وجهاً لوجه . إن هبة السعادة التي يمنّ الله بها على الإنسان هي الإشادة بأسمى حرية يمكن أن يتصورها عقل . إن الحقيقة الإنجيلية ، وفقاً لأمر المسيح يجب أن يدعى إليها جميع الناس ، الذين من حقهم أن تعرض عليهم . إن الروح القدس يرشد الكنيسة وتلامذة يسوع المسيح ” إلى الحق كله ” ( يو 16/13 ) ، وهو الحاضر في ضمير ينضج لمزيد من احترام كرامة الشخص البشري ، الروح القدس ينبوع الشجاعة والبطولة والإقدام لأنه ” حيث روح الرب فهناك الحرية ” ( 2قور 3/17 ) .

عن موقع التعليم المسيحي بحلب