مقدمة:
يسبق كل عقد من العقود ذات الأهمية في الحياة بين الناس مقدمات يبيّن فيها كل طرف من المتعاقدين مطالبه ومقاصده حتى يُقدم على إتمام هذه الخطوة. وعقد الزواج هو أخطر عقد لعاقديه، إذ أنه يتصل بالحياة الإنسانية ويهدف إلى دوام الشركة المقدسة بين الزوجين، ولهذا وجب الاستعداد للاحتفال بهذا السر، ومن هذا المنطلق تبرز أهمية زمن الخطبة ليتعارف الخطيبان على بعضهما البعض ويستعدا الاستعداد الأمثل لتحمل مسئوليات وأعباء حياة المستقبل.
الخطبة من الناحية القانونية:
وقد جاء في القانون 782 البند1: “إن الخطبة التي من المحبذ أن تسبق الزواج بناء على تقليد الكنائس الشرقية العريق في القدم، يحكمها الشرع الخاص بالكنيسة ذاتية الحق”.
البند2: “لا مجال لدعوى المطالبة بالاحتفال بالزواج بناء على الوعد به، لكن هناك مجال لـ(دعوى) تعويض الأضرار إذا لزم الأمر”.
يتطرق المشرّع إلى الخطبة كتقليد قديم في المجتمعات البشرية، وهذا التقليد- كما نعلم- كان سائدًا عند اليهود واليونانيين والرومان، ولقد قبلت الكنيسة المقدسة هذا في حياتها الرعوية والقانونية، وأعطته صبغة دينية خالية من الخرافات وما يشوبه من أفكار بالية تُسيء إليه. ولقد نصّت الإرادة الرسولية، الصادرة سنة 1949 والخاصة بـ “نظام الزواج للكنيسة الشرقية”، على بعض الشروط لضمان صحة الخطبة. ولهذا قررت:
القانون6 البند1: “الوعد بالزواج، وإن كان مزدوج الأطراف- ويُعرف إذ ذاك بالخطبة- باطل في كلتا المحكمتين ما لم يتم أمام الخوري أو أمام الرئيس الكنسي المحلي، أو أمام كاهن نال من أحدهما الإذن بحضور الخطبة”.
البند2-2: “يتحتم على من يحضر الوعد بالزواج أن يعني بتدوين وقوعه في سجل الخطبات”.
من خلال هذين النصين، تتضح لنا الشروط الواجب توافرها لصحة إتمام الخطبة:
– أن تتم الخطبة في حضور الراعي المحلي أو الرئيس الكنسي المحلي أو الكاهن المفوّض من أحدهما.
– أن يُسجّل الاحتفال بالخطبة في محضر مكتوب موقّع عليه من كل الذين حضروا الخطبة (يوقّع على المحضر الخطيبان والكاهن والشهود).
– أن تتم الصلوات الخاصة بالخطبة والمدوّنة في الكتب الطقسية، إذ ورد ذلك في الحق الخاص.
على خلاف ما قررته الإرادة الرسولية، فإنّ القانون الشرقي الجديد يُفسح المجال أمام الحق الخاص بالكنيسة ذاتية الحق، ليقنن ما يراه مناسباً، مراعياً في ذلك العادات والتقاليد، وما يقرره في هذا الصدد القانون المدني.
فسخ الخطبة:
لا تعتبر الخطبة ملزمة للطرفين بالاحتفال بالزواج، والعدول عنها من حق كل طرف، إذ أنه مازال في قيد التفكير والبحث،ولكن هناك مجال لتعويض الأضرار الناجمة عن فسخ الخطبة.
أسباب الفسخ:
تتباين أسباب فسخ الخطبة، ونذكر منها:
– قرار الطرفين بالعدول عنها.
– قرار طرف واحد بالفسخ.
– وجود سبب خطير يحول دون إتمام الزواج.
– إصابة أحد الطرفين بمرض عضال، خاصة إذا كان المرض يتعلق بقواه العقلية.
– تغيّر الظروف والأحوال.
– عدم تحقيق شرط مرتبط بالوعد.
– إعلان أحد الطرفين بالالتحاق بسلك الرهبنة أو الكهنوت.
– إذا كان هناك ما يؤكد على عدم نجاح الحياة الزوجية في المستقبل.
كل هذه الأسباب تتيح لأي من الخطيبين العدول عن إتمام الزواج والاحتفال به وتكفل القوانين المدنية الحريّة الكاملة للخطيبين أن يعدُلا عن وعدهما بالزواج،
وبالتالي من ارتبط بشخص عن طريق محضر الخطبة، له كل الحرية أن يتزوج بشخص آخر، ولا يتعرض للمحاكمة، لأجل عدوله هذا، بل قد تُرفع ضده دعوى طلباً لتعويض الأضرار إذا وجدت. وتستطيع السلطة الكنسية البتّ في دعوى تعويض الأضرار، وإذا لم تُفلح في هذا، فعلى الطرف المتضرر أن يقيم دعوى لدى السلطة المدنية للحصول على حقوقه.
حكم الشريعة الإسلامية:
إذا فسخت الخطبة بعدول الخاطب أو المخطوبة أو عدولهما معاً فإن:
1- ما قدمه الخاطب لمخطوبته من المهر، فله الحق في استرداده بعينه إذا كان قائماً، أما إذا كان تم استهلاكه، فوجب رد مثله أو ما يوازي قيمته.
2- وأما ما قدمه الخاطب لمخطوبته من الهدايا فهو يعتبر هبة، والواهب له حق الرجوع فيها، ما لم يكن هناك مانع من موانع الرجوع، فمثلاً إذا كان ما قدم الخاطب من هدايا قائماً (ساعة- خاتم- عقد) ولم يطرأ عليه تغيير، فللخاطب الحق في استرداده، أما إذا كان ما قدمه الخاطب لمخطوبته استُهلك أو فُقد، فليس له الحق في استرداده (طعام- حذاء- قماش- ملابس).
أحكام المحاكم المصرية:
قد استقر القضاء المصري في شأن الشبكة التي يقدمها الخاطب والهدايا المتبادلة إلى تقرير: “إن الخطبة وإن كانت تمهيداً للزواج، وهو من مسائل الأحوال الشخصية، إلا أن الهدايا التي يقدمها أحد الخطيبين للآخر، ومنها الشبكة، إبّان فترة الخطبة، لا تُعتبر من هذه المسائل، لأنها ليست ركناً من أركان الزواج، ولا شرطاً من شروطه إذ يتم الزواج صحيحاً بدونها، ولا يتوقف عليها، ومن ثم كان النزاع بشأن تلك الهدايا بعيداً عن المساس بعقد الزواج، وما هو متعلق به، ونخرج بذلك عن نطاق الأحوال الشخصية. وتُعتبر الهدايا من قبل الهبات. ويسري عليها ما يسري على الهبة من أحكام في القانون المدني… وقد أورد هذا القانون أحكام الهبة الواردة في المادة 500 وما بعدها، وتُشترط المادة المذكورة للرجوع في الهبة. وفي حالة عدم قبول الموهوب له، أن يستند الواهب في الرجوع إلى عذر يقبله القاضي”[1].
“فالهدايا التي يقدمها أحد الخطيبين للآخر إبّان الخطبة، ومنها الشبكة، تُعتبر من قبل الهبات التي يسري عليها ما يسري على الهبة من أحكام في القانون المدني، ولما كان السبب ركناً من أركان العقد، ويُنظر في توفّره أو عدم توفره إلى وقت انعقاد العقد، وكان العقد قد انعقد صحيحاً بتوفر سببه، فإنه لا يمكن القول بعد ذلك بتخلف هذا السبب بعد وجوده، ومن ثمَ كانت الخطبة هي السبب في هذا النوع من الهبات، وذلك باعتبارها الباعث الدافع للتبرع، فإن فسخها لا يمكن أن يؤدي إلى انعدام هذا السبب بعد أن تحقق، وتظل الهبة صحيحة قائمة رغم العدول عن الزواج”[2].
والأصل أن العدول عن الخطبة لا يترتب عليه مسئولية قانونية مدنية، أما إذا ترتّب عن فسخ الخطبة ضرر، ماليًا كان أم معنويًا، لأحد الطرفين، كان على الطرف الذي يُعدل مسئولية تعويض الأضرار وذلك طبقاً للمادة 163 من القانون المدني والتي تقرر أنّ “كل خطأ سبّب ضررًا للغير يُلزم من ارتكبه بالتعويض” هذا ما استقر عليه الفقه والقضاء سواء في مصر أو فرنسا. ونستطيع أن نستخلص مما سبق ذكره:
– إن الخطبة ليست عقداً ملزماً.
– إن العدول عن الخطبة لا يكون سبباً موجباً للتعويض.
– إذا حدث وكان العدول عن الخطبة مقروناً بأفعال أخرى سبّبت ضرراً بأحد الطرفين، هنا يجوز الحكم بالتعويض على أساس المسئولية التقصيرية[3].
الاحتفال بالخطبة:
بما أن الخطبة وعد غير ملزم للطرفين بالاحتفال بالزواج، فمن الأفضل أن يتم هذا الوعد في احتفال تسوده البساطة وعدم البذخ والتبذير، ويا ليت الاحتفال يقتصر على حضور الأسرتين ومباركة الكاهن و “تلبيس الدبل”. هذه الطريقة تُزيل عن كاهل الخطيبين أعباء ثقيلة، خاصة أننا نمر بظروف اقتصادية صعبة، وما يتم صرفه أثناء الحفل من مأكولات ومشروبات وملابس عالية الثمن، يمكن ادخاره لتأثيث بيت الزوجية، علاوة على ذلك، فإنه في حالة فسخ الخطبة، فإنه يجب تعويض الطرف المتضرر. لعل شباب اليوم يفكر بلغة القرن العشرين ويتخطى المظاهر والعادات غير البنّاءة.
عن مجلة صديق الكاهن