stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصركنيسة الموارنة الكاثوليك

الرّاعي: فلتكن صلاتنا تجسيدًا في الأعمال وتشفّعًا من أجل كلّ إنسان في حاجة

752views

الأحد 17 مارس – أذار 2019 – المصدر: نورنيوز

لمناسبة عيد الأم، ترأّس البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، قبل ظهر اليوم، في كنيسة الصّرح البطريركي في بكركي، قدّاسًا إلهيًّا على نيّة جمعيّة “جاد شبيبة ضدّ المخدرات” والتي نظّمت دعوة القدّاس تحت عنوان “اذا مش كرمالك كرمالها”. عاونه في القدّاس، المطرانان حنّا علوان وبولس عبد السّاتر ولفيف من الكهنة، بحضور حشد من الفعاليّات السّياسيّة، العسكريّة، النّقابيّة، الكشفيّة، الأخويّات والمؤمنين من مختلف المناطق اللّبنانيّة، إضافةً الى عائلة جمعيّة جاد. وبعد الإنجيل، ألقى الرّاعي عظةً بعنوان “إيمانكِ خلّصكِ… يكفي أن تؤمنَ فتحيا ابنتك” ( لو8 : 48 و 50)، جاء فيها:

“في آيتَي شفاء المرأة التي كانت تعاني نزيفًا منذ اثنتي عشرة سنة، وإحياء الصّبيّة ابنة يئيرس من الموت، ظهرت قدرة الإيمان بالمسيح، وقوّة المؤمن الذي “يرجو ضدّ كلّ رجاء” (روم 18:4). فللمرأة الفاقدة كلّ أمل بالشّفاء، بعد إنفاق كلّ مقتناها على الأطبّاء من دون جدوى، والتي لمست طرف ثوبه بنيّة أنّها تنال الشّفاء، فتوقّف للحال نزيف دمها، قال: “يا ابنتي، إيمانكِ خلّصكِ! إذهبي بسلام” (لو 48:8). وليئيرس الذي بُلّغ خبر وفاة ابنته ولا حاجة لإزعاج المعلّم، قال الرّبّ: “لا تَخَف! يكفي أن تؤمن، فتحيا ابنتك” (لو 50:8).

يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه اللّيتورجيّا الإلهيّة، التي نجدّد فيها إيماننا بالمسيح، راجين أن يكون قويًّا وثابتًا بالرّغم من كلّ المصاعب وخيبات الأمل، على مثال المرأة ويئيرس. ويطيب لي أن أرحّب بكم جميعًا وبخاصّة بجمعيّة جاد – شبيبة ضدّ المخدّرات التي شاءت إحياء عيد الأمّهات في هذه الذّبيحة الإلهيّة، من أجل دعم أمّهات المدمنين المعذّبين، من خلال حملة منظّمة من الجمعيّة طوال هذا الشّهر تحت عنوان: “إذا مش كرمالك كرمالها”. إنّ جمعيّة جاد تعمل مشكورةً في هذا الحقل منذ ثماني وثلاثين سنة مليئة بالعطاء. فنحن نحيّيها وكلّ المتطوّعين فيها بكثير من التّقدير والامتنان. وشاءت في المناسبة تكريم أمّهات لهنّ الفضل الشّخصيّ المباشر أو بواسطة أفراد من عائلاتهنّ في مكافحة المخدّرات ومساعدة المدمنين على التّخلّص منها. فإنّي أعرب للأمّهات عن شكري العميق مع أخلص التّهاني والتّمنيّات بعيدهنّ.

وأوجّه تحيّة شكر وتقدير للمديريّة العامّة للجمارك لإنجازاتها على صعيد مكافحة المخدّرات وضبط الملايين من حبوب الكبتاغون وسواها من المواد المخدّرة التي تفتك بشبيبتنا، وللأجهزة الأمنيّة النّاشطة في مكافحة بؤر متعاطي المخدّرات وتجّارها ومروّجيها ومهرّبيها. إنّ الحرب الجديدة اليوم هي اصطياد شبيبتنا بالمخدّرات وهدم أخلاقيّتها ونضارتها وطموحاتها والقضاء على حياتها. فإنّا نوجّه نداءً حارًّا إلى المسؤولين وندعمهم في مهمّتهم الإنقاذيّة ليكثّفوا وسائل مكافحة المخدّرات من دون تغطية أحد، وإلى الوالدين للسّهر على أولادهم، وللمربّين في المدارس والجامعات لتوجيه الشّبيبة وحمياتها من هذه الآفة المميتة. ولا يسعني إلّا أن أستحضر روح مؤسّس جمعيّة جاد المرحوم الأب بنوا سكّر، الرّاهب اللّبنانيّ المارونيّ، الذي يعضد الجمعيّة بصلاته وتشفّعه أمام العرش الإلهيّ. إنّنا نرحب بيننا أيضًا بمسؤولي أخويات الفرسان في نيابة جونيه البطريركيّة مع مرشدهم الخوري هادي زغيب.

لقد آلمتنا جدًّا، كما الكثيرين عندنا وفي العالم، مجزرة المسجديَن في نيوزيلندا التي ذهب ضحيّتها تسعة وأربعون شخصًا من الإخوة المسلمين الذين كانوا في واجب الصّلاة إلى الله، ومن بين القتلى نساء وأطفال، بالإضافة إلى خمسين مصابًا، بينهم عشرون في حالة خطرة. إنّها مجزرة وحشيّة ندينها أشدّ الإدانة. ونعرب عن تعازينا الحارّة لأهالي الضّحايا وللشّعب النيوزلنديّ والمسؤولين. نصلّي من أجل شفاء المرضى وتهدئة الخواطر ومعالجة الموضوع بالعدل والوعي والرّويّة وبعدم ردّات الفعل التي تسيء إلى كلّ مؤمن بالله.

الآيتان الإنجيليّتان، آية شفاء المرأة من نزيفها، وآية إحياء الصّبيّة إبنة يئيرس، تكشفان لنا وجهَين من الإيمان: الوجه الأوّل هو الإيمان الصّامت لدى المرأة المنزوفة، ولكنّه النّاطق بمبادرة لمس طرف ثوب يسوع بنيّة نيل الشّفاء من قدرة المسيح. هذا يعني أنّ الإيمان ليس بالكلام بل بالقلب والنّيّة، على ما قال الرّبّ يسوع: “ليس من يقول لي: يا ربّ، يا ربّ، يدخل ملكوت السّماء، بل من يعمل إرادة أبي الذي في السّماء” (متّى 21:7)؛ وفي موضع آخر قال: “هذا الشّعب يكرّمني بشفتيه وقلبه بعيد عنّي، فباطلاً يعبدونني” (متّى 15: 8-9)؛ وثمّة كلام إلهيّ آخر يقول: “يا بنيّ، أعطني قلبك” (أم 26:23). النيّة هي الأساس في الإيمان والصّلاة والأفعال اللّيتورجيّة، لأنّها تعطيها أصالتها وصدقها، وتنال مبتغاها من جودة الله.

أمّا الوجه الثّاني للإيمان فهو الإيمان الثّابت على الرّجاء لدى يئيرس الذي بالرّغم من خبر وفاة ابنته، تولّد عنده الإيمان الذي “يرجو ضدّ كلّ رجاء” (روم 18:4)، عندما قال له يسوع: “لا تخف! يكفي أن تؤمن، فتحيا ابنتك”. بفضل هذا الإيمان الذي يرجو، والكامن في قلبه، أحيا يسوع ابنته من الموت.

آمنت المرأة ويئيرس بيسوع أنّه سيّد الحياة والموت، وأنّ علاقة كيانيّة تربطهما به. هذا ما بيّنه علم اللّاهوت بأنّ الإيمان ينبع من عمق كيان الإنسان ليتّحد بمن هو المطلق، أي الله. آمنا بأنّ كيانهما ووجودهما ووجود الصّبيّة المشرفة على الموت ثم ماتت، مرتبطان بمن هو الكيان بالذّات، يسوع المسيح.

هذا الإيمان، على المستوى الرّوحيّ، ينطبق أيضًا على المستوى الوطنيّ. عندما نقرأ في مقدّمة الدّستور اللّبنانيّ أنّ “لبنان وطن نهائيّ لكلّ أبنائه”(أ)، نعلن إيماننا بلبنان كوطن مطلق، وننفي الولاء لأيّ بلد آخر سواه نجعله في الممارسة بمثابة وطن. هذا الإيمان “بلبنان وطنًا نهائيًّا لكلّ أبنائه” هو الذي جعله عبر التّاريخ مستقرًّا سياسيًّا واقتصاديًّا، وصاحب علاقة وطيدة مع محيطه العربيّ والشّرق أوسطيّ، ومصدر عطاء للإنسانيّة تميَّزَ على كلّ صعيد، ولاسيّما في حقول التّربية والثّقافة والطّبّ والهندسة والسّياسة والتّجارة والصّناعة؛ وأهّله ليساهم في تأسيس الجامعة العربيّة، وفي وضع “الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان”، وفي نشر الحرّيّة والقيم الدّيموقراطيّة في هذا الشّرق؛ كما جعل منه مساحةً ونموذجًا للعيش المشترك بين المسيحيّين والمسلمين على أساس من المشاركة المتساوية والمتوازنة بينهم في الحكم والإدارة، وعنصر استقرار في بيئته المشرقيّة (راجع روجيه ديب: لبنان المستقرّ، ص 18-19).

لكنّنا نرى اليوم، وبكلّ أسف، أنّ هذا الإيمان بلبنان “وطنًا نهائيًّا لكلّ أبنائه”، يتزعزع من جرّاء ممارسة سياسيّة ولاؤها لغير لبنان، أكان هذا الولاء لدولة أخرى وكأنّها الوطن الأساس، أو لطائفة أو لحزب، ومن جرّاء خلافات ومواقف تتصلّب على حساب الوطن ومؤسّساته والصّالح العام. كما أنّه يتزعزع بنتيجة السّعي الدّؤوب إلى الاستفادة من المال العام بطرق غير مشروعة أو إلى تبذيره من دون أيّ إحساس بالضّرر الحال بلبنان الدّولة والوطن والشّعب، أو إلى بيع أراضيه من الغرباء، أو إلى توزيع جنسيّته بسخاء.

والأدهى من كلّ ذلك هو أنّ هذا الإيمان بلبنان يتزعزع عند شبابنا والأجيال الطّالعة بسبب عدم اكتراث المسؤولين السّياسيّين بمستقبلهم، والتّلكّؤ عن إجراء الإصلاحات في البُنى والقطاعات الكفيلة بالنّهوض الاقتصاديّ ووفرة الانتاج وتوفير فرص عمل، وبسبب قطع الطّرق أمام تحفيز قدراتهم على أرض الوطن.

الإيمان بلبنان “وطنًا نهائيًّا لكلّ أبنائه” هو إيمان، كالإيمان الرّوحيّ، ينبع من عمق كيان المواطن المرتبط بكيان الوطن، ويظهر في بناء الوحدة الدّاخليّة بكلّ الوسائل؛ وهو إيمان يعتقد به المواطن اللّبنانيّ اعتقادًا راسخًا أنّ وجوده مرتبط بمصير وطنه. عندئذٍ يعيش جمال الولاء للوطن، ويضحّي في سبيله، فينعم بغزير جودته.

أيُّها الإخوة والأخوات الأحبّاء، صلّت المرأة النّازفة إلى يسوع لتشفى، صلاة صامتة، إنّما ناطقة بفعل لمس طرف ثوبه فشُفيت. وصلّى يئيرس صلاة التّشفّع من أجل ابنته فأحياها الرّبّ من الموت. فلتكن صلاتنا تجسيدًا في الأعمال وتشفّعًا من أجل كلّ إنسان في حاجة. فكلّ صلاة تصدر من القلب تنال مبتغاها من جودة الله. ولنجعلها دائمًا صلاة تسبيح وشكر للثّالوث القدّوس، الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.”

وفي ختام القدّاس ألقى رئيس جمعيّة جاد جوزف الحوّاط كلمةً؛ حذر فيها من “آفة المخدّرات التي تفتك بالشّباب، ومؤخّرًا بالأطفال”، منوّهًا “بعمل الأجهزة الأمنيّة في عمليّة مكافحة المخدّرات التي تُشكّل خطرًا على المستوى الأمني والاجتماعي والصّحّيّ والاقتصاديّ.”وأمل الحواط أن “يدرج ملف المخدّرات على جدول أعمال الحكومة الجديدة لما يحتويه من خفايا وفساد،” متسائلًا “أين هي البضائع المصادرة وهل يتمّ تلفها بعد مصادرتها،” مؤكّدًا أنّه “يحق للشّعب اللبنانيّ أن يعرف ما هو مصير المئات من الشّاحنات المحمّلة بحبوب الكبتاغون والمواد المخدّرة بعد مصادرتها، ولماذا لا يتمّ تلفها أمام الرّأي العام لكي نتأكّد من أنّ أيادي الغدر لن تستغلّها مجدّدًا لضرب شبابنا.”

ثمّ كان تكريم لعدد من الأمّهات من جمعيّة جاد، من بينهنّ عقيلة العقيد الشّهيد جوزف سكاف رئيس شعبة مكافحة المخدّرات وتبييض الأموال في الجمارك اللّبنانيّة ماري سكاف، والتي شكرت لغبطته “مباركة الجمعيّة ودعمها لكي تكون نقطة الأمل وسط يأس قاهر يضرب مجتمعنا على كافّة الأصعدة، ولاسيّما الصّعيدين الاجتماعيّ والاقتصاديّ.” ورأت سكاف أنّ “عمل الجمعيّة سيستمرّ لمساعدة شبابنا ومد يد العون لهم،” آملةً أن “تتضافر جهود المعنيّين لوضع حد لهذه الآفة التي لا ترحم مستقبل لبنان المتمثّل بشبابه وشابّاته، وأن تكفّ عمليّات الهدر والفساد والتّبذير وتغطية المطلوبين ليعود إلى لبنان رونقه الذي غاب عنه بعد أن فتكت الحرب ببشره قبل حجره.”