السلام الداخلي- هنـد لويس
ذلك الهدوء والطمأنينة اللذين يقبعـا في عمق أعماقي …. وليس ما يظهر عليً في بعض الأحيان من الخارج ….. فالهدوء الخارجي يمكن أن يكون نوع من الحكمة أو حتي الإستسلام للوضع القائم ……. لكن ذلك الذي تربع في أعماقي فهو شيء أخــر.
– مـا هـو سبب ذلك السـلام الداخلي، وعلي أي شيء يرتكز؟
سبب السـلام هو الإيمـان ….. الإيمـان بمحبة الله.
– وكيف نعيش حالة السلام الداخلي في واقعنا الصعب والمؤلم والمتغير، كيف يؤثر الإيمان بمحبة الله في واقعنا وبالتالي في سلامنا؟
لكي نجيب علي ذلك السؤال في داخلنا لابد أن نسـأل أنفسنا كيف نريد أن نري الله؟…… هل نريد أن نراه ذلك المارد الخارج من الفانوس السحري الذي يلبي لنا كل طلباتنا، وكل ما نراه خير لنا، ويبعد عنا كل ما نراه شـر؟ ……… أو نريد أن نراه سوبر مان أو بات مان الذي لا يُقهر، والذي يسرع لإبادة الأشـرار وإنقاذ الضعفاء؟ ……. ومن هنا أسـأل سؤال أخـر، ما هي مقاييسك لعمل الفانوس السحري أو سوبر مان؟ كيف تحكم علي شيء إذا كان جيد أو غير جيد ……. خير أم شـر؟ هل مقاييسك هي وجهة نظرك؟ أم رغباتك؟ ….. أم رؤية المجتمع وثقافته؟…… كل هذا نسـبي ومتغير من شخص لأخر، ومن مجتمع لأخر، ومن أسرة لأخري، ومن بلد لأخري، ومن عصر إلي عصر ……… مثلا كان في الستينيات في مصر مقياس العروسة الجيدة هو أن تجيد العزف علي البيانو والرقص الغربي وركوب الأوتوموبيل في الأوساط الراقية، أما الأوساط المتوسطة فكان المقياس هو إجادة الخياطة والطبخ وتستطيع أن تكسر قشرة البندق بأسنانها…. هل تلك المقاييس مازالت إلي الأن في الحكم علي العروسة الجيدة في عصرنا؟ ……كيف تحكم علي الأمور وتُقَييمها؟
إذا كانت مقاييسنا هي أرائنا أو أراء المجمتع لكـان يسوع نزل من علي الصليب بطريقة إعجازية ليتمشي مع الصح والخير الذي يراه الإنسان والمجتمع في هذا الوقت (إن كنت إبن الله فخلص نفسك وخلصنا).
وكيف تريد أن تؤثر محبة الله في واقعنا؟ هل تريد أن تغير الواقـع؟ إذا كانت إجابتك بنعم أقول لك ومـاذا فعل يسـوع في حياته طوال الثلاثة والثلاثون سنة؟ هل غير شيء في واقع مجتمع فلسطين؟ او الإستعمار الروماني؟ أو في تشـدد الديانة اليهودية في تطبيق الشريعة التي أدت إلي تشويه روح الشريعة حتي فعل الخير كان ممنوع في السبت؟ أو في الإنقسام ما بين السامريين واليهود؟ ………
الإختلاف في كل ذلك كان إيمـان يسـوع ……. كان يؤمن بمحبة أبيـه التي كان يثق أنها أكبر من الواقــع بكل صعابه……. كان إيمانه أنه حتي في أحلك الأشياء التي ممكن أن يمر بها الإنسان….. وهي الموت ….. سيكون معه …… وهذا الإتحاد بينه وبين أبيه هو الذي سيغير الموت …… فإذا دخل الله معنا حتي في الموت، ليس فقط سيتغير معني الموت، بل الأهم أني سأستطيع أن أعبره وأتخطاه …… وإذا دخل معنا في واقعنا إما أننا سـنغيره معـاَ، أو سنتغير نحن، أو سنعبره ونتخطاه بدون خسائر بل وبنمو أكبر….. وإذا كانت لي تلك الثقـة فلمـاذا يـؤثـر واقعنـا علي سـلامنا الداخلي؟ ……… فإذا كنت مسافرا لأول مرة في حياتك خارج البلاد وحدك ستكون تجربة صعبة …….. لكن إن كان معك أحد تحبه ولك به صلة كبيرة، أخوك أو صديقك أو ووالدك أو أبن عمك ….. سيقل كثيرا إحساسك بالصعوبة ، وإن لم تمحي الصعوبة فهي لا تزال قائمة ولكن إحساسك بها سيتغير، بل وأيضا تعاملك معها سيتغير….. وهذا الأهـم …. لأنك حينها لن تتعامل معها وحدك …. سيكون هناك فكر أخر معك غير فكرك ومساندة معنوية أيضا.
– ولكن كيف تتجلي محبة الله تلك التي لا بد أن أثق بها، ومن خلالها أستطيع أن أعيش سـلامي الداخلي؟
تتجـلي محبة الله فــيً …… في كوني مختلف ……..
وكيف عرفت هـذا؟ ……….. بتجسـد يسـوع يقول لنا الله أنك يا إنسان مختلف…. بالرغـم من ذلك الجســد الذي يكسـوك وتظنـه يُحـدك ………. فأنت مختلف …….بالرغـم من وقوعك تحت وطأة قوانين الطبيعة والزمن …. وبالتالي عرضه للمرض أو الألم …. إلخ …. أنت مختلف لأن تلك الحدود والقيود ليست كل شـيء ………… فهناك الكثير والكثير خارج تلك الحدود تسـتطيع أن تختبـره …….. فمثلا أنت تستطيع أن تعيش حياة مختلفة وغير منتهية وأنت مازلت في تلك الحياة المنتهية ……….. وتستطيع أن تتخطي الحدود التي تراها مستحيلة مثل الإعاقــة، فكثير من المعاقيين تخطوا حدود إعاقتهم وأصبحوا علامات مميـزة مثل بيتهوفن ……… وأعتقد أنه لهـذا كان يسـوع يسـأل المخلع أتؤمن؟ ……. ما علاقة الإيمان بأنه يريد أن يشـفي؟ هل الإيمان هو ثمن أو ضريبة أو طريقة للشـفاء؟ …. بالطبع لا …….. هو كان يبحث عن الداخل لأنك ممكن أن تشفي وتظل مشلول أيضا ….. فكم وكم من الناس الأصحاء الذين لايعملوا أي شيء بصحتهم يفرق في حياتهم.
هـو يهتم بالإيمــان لأنك بـه تستطيع التغلب علي الحدود ………….. وهـذا أعظـم بكثير ………. وإذا كان لك هـذا الإيمان الذي تثق أن به تستطيع التغلب علي الحدود، فمـا الذي يستطيع أن يفقـدك سـلامك؟
فأيهما أفضل بالنسبـة لك ……. أن يعطيك إلهك القدرة علي إذالة الصعاب وتخطيها؟ أم أن يزيلها هو لك ………. وتظـل أنت كما أنت لا تتغير؟ …….. فمثلا إذا رأي أب حجارة في طريق إبنه هل يحملها ليفسح له الطريق؟ ………. أم يتركه هو يحملها؟ ……. إذا تركه سوف يحاول الإبن أن يفجر كل طاقاته وإمكانياته (فكره وعقله وعضلاته وأشياء مساعدة …… إلخ) لابد أن يستخدم الإنسان طاقاته ليكون شــيء ……….. وهـذا يتطلب معايشـة في خضم الأحداث والواقع ……… وليس المـرور عليه من الخارج ………….. هل كل مرة يجب أن يحمل الأب الحجارة من أمام إبنه؟ …….. أتصور في مرة أخري سوف يحمل إبنه أيضا حتي لا يصطدم بالحجـارة ……. وهكـذا يحـول إبنـه إلي إنسـان معــوق.
ومن هنـا لابد أن أبني سـلامي وإطمئناني وهـدوءي علي محبة الله التي عرفتها عن طريق يسـوع والتي تتجـلي لـي في ذاتـي وفي داخـلي ……….. فبإتحـادي بإلهـي أثق تمـامـا أنه أنـا الذي سـأصبح سـوبر مـان ………. لدي كل القدرات التي أسـتطيع بها إمـا أن أتعايش مع الواقـع …. أو أغـــيره ……. أو حتي أتغـير أنـا …….. المهم أن ذلك الواقـع وتلك الصعوبات لن تقـدر أن تنـال مني ………. إيماني هــو بأنـي سوف أكون دائما في الوضع الرابــح .
أُشَبه الإنسان باليرقـة …. دودة لهـا حدود معينة في المشي والأكل والشكل ……. إلخ …. ولكن بالإيمان والثقة بمحبـة الله يسـتطيع الحب أن يحولك …. كماتتحول اليـرقـة إلي فراشـة ……. الفراشة تطير وتحلق في الفضاء وتكتسب إمكانيات أكبر وأعظم وأيضا شكلها الخارجي يتغير.
إيمانك بمحبة إلهك يجعلك قادر علي تغيير الخـارج لأنه يغـير الداخـل ……… وإن لم تستطيع تغييـر الخارج فسـتعرف جيدا كيف تسـتفيد منـه وتتعامل معه لخيـرك في النهاية ومن هنا أفهم الأية “كل الأشياء تعمل معـا للخير للذين يحبون الله” …….. تعمل للخيـر ولكن بأشكال مختلفة ممكن أن تتناسب مع فكرك وطرقك وممكن أن تختلف “طرقي غير طرقكم وأفكاري غير أفكاركم” ….. المهم هـو أنك ستكون دائما الفائـز إذا وثقت في هذه المحبة، وسينعكس هذا علي أفكارك وتصرفاتك وردود أفعالك ……….. وبالتـالي تسـتطيع أن تعيش سـلامك الداخلي ………. فمن ذا اللذي يستطيع أن يسـلبك إيـاه ……… “من سيفصلني عن محبة المسيح، أشـدة أم ضيق أم إضطهاد، أم جوع ، أم عري، أم خطـر، أم سيف” رومية 8
– ومـا الذي يسـاعدني علي الوصول والثبات في هـذا السـلام الداخـلي؟
* الحـرية الداخليـة:
لا تدع شـيئا يسـتعبدك حتي وإن كانت أحـلامك ………. إحـلم ولكن لا تجعل أحلامك تتملكك، فحين يأتي الواقع علي عكس الحلم ، حينئذ تستطيع أن تتأقلم مع الواقع وتستطيع أن تغير حلمك …….. إذا كنت عبدا للأشـياء كيف تتوقع أن تعيش أي نوع من السـلام؟ ….. فقط حريتك هي التي تضع أمامك الخيارات وهي التي تساعدك علي إختيار الهدوء والطمأنينة … أما إن لم تكن حـر فليس أمامك إختيارات ….. فأنت مجبر علي الإنزعاج والتزعزع.
* الفقـر الداخلي (الفقر الروحي):
عدم التمسـك بالأشـياء والحياة بروح الزهـد والتخـلٍ ………… التعامل مع كل شيء بمفهوم أن كل ما لديك هو عطية من الله ………عطية تأتيك من الطبيعة …. من أحد إخوتك …… أو من عمل يديك ….. لأنه هو معطي الطبيعة وهو خالقك وخالق إخوتك ……… فتعامل مع كل الظروف وكل الأشياء أي كان تقييمك لها بالخير أوالشر علي أنها عطية من الله …. “أنظروا يا إخوتي إلي مختلف المحن التي تصيبكم نظركم إلي دواعي الفرح الخالص” وبهذا تستطيع أن تعيش سـلاما داخليا.
* عيش الحاضـر:
ركـز في حياتك علي الحاضـر …… “خبزنا كفافنـا أعطنـا اليـــــوم” ……. اليـوم الحاضر هو العطيـة، فكيف ستتعامل مع عطية الله؟ إنهـا قائمة اليوم ….. ليست بالأمس ولا في الغـد ” فهو لم يأت بعد ، ولا تعرف إذ كان سيأتي أم لا” ……. لابد أن نعلم أن الحاضـر هـو مـادة خـام بين أيدينا “مثل العالم قديما أول ما خلقه الله وسلمه لأدم وحواء” ….. وبهـذا ما دامت هناك مادة خـام، فأنا دائما أستطيع أن أشكل منها واقـع وأحـلام أخري يمكن أن تسعدني أكثر وبهذا لاأفقد سـلامي.
فنحن كثيرا ما نعطي للماضي أهمية كبري وللمسـتقبل أيضا ….. وفي الماضي والمستقبل إحتمالات سـلام أو إظطراب ……. لكن في الحاضر حتمية السـلام هي القائمة لأنه بيدي أن أعيشه.
* السـعي إلي السـلام الخارجي:
سـلامك الخارجي ينعكس علي سـلامك الداخلي …….. فما تعيشه في الداخل لابد أن تلمسه في الخارج …… وما تعيشه في الخارج يؤثر علي الداخل ……….. “متي قدمت قربانك إن تذكرت أن لأخيك شيء عليك فاترك قربانك علي المذبح وإذهب وصالح أخاك” ….. لا تكتفي بالهدنه أو العلاقات السطحية الطيبة ، بل إسـعي للسـلام “طوبي لصانعي السـلام”.
* العطـاء أكثر من الأخـذ:
“أحبب قريبك مثل نفسك” ركـز نظرك علي الأخر كي تنعم بالحياة في سـلام داخلي وخارجي ………. فإذا ركزت نظرك علي ذاتك وإحتياجاتك وأسلوبك في ما يرضيك ، الذي بالتأكيد مختلف عن غيرك وخصوصا ذويك، ستكون هناك حالة من الرفض أو الإعتراض أو سوء التفاهم التي سوف تؤدي إلي عدم سـلام …. وهـذا لأنك تريد أن تأخذ فقط أكثر من أن تعطي ……… فمثلا إذ أفقت من نومك في يوم أجازتك وأردت أن تقضي عطلة أسبوعية ممتعة ، سوف تفكر في أين تريد أن تذهب وماذا تريد أن تأكل وما الذي تود أن تعمله……… وبالطبع هذا كله يتطلب التبعية من شريك الحياة أو الأبناء أو الأصدقاء ……….. فهذا ما يسعدك أنت …… وماذا عنهم؟ ……… ولكن إذا فكرت في العطاء أكثر من الأخذ، إذ أحببت كثيرا من هم حولك، سوف تعمل حساب لسعادة الأخرين وتسعد نفسك أيضا ….. وتقل كثيرا أسباب الإظطراب وتعكير صفو السـلام الداخلي والخارجي.
* إهـرب من الخطيـة:
فهي من أكبر الأشـياء التي تعمل خلل وإضطراب في داخلك ……. مثل ذرة التراب الصغيرة التي تعكر صفو كوب كبير مملوء من المياه الصافية …… الخطيـة هي كالأمواج الثائرة التي تعبث بتوازن سفينتك وتعبث بترتيب كل شيء داخل السفينة ….. فكل ما هو علي الأرفف يتساقط …… وماهو علي اليمين أو اليسار يتحرك في إتجاه أخر …… والقوارير المملوءة تُسـَكب وتَفرُغ …….والأسطح النظيفة تتسـخ ……. والإنسان الوقف بثبات يختل توازنه ……. إهرب من الخطية كي يظل الهدوء داخلك ولا تدعها تفقك سـلامك …… التوبـة والندامة وفحص الضمير المستمرين يساعدوك علي الحفاظ علي صفاءك وسكينتك وسـلامك الداخلي.
* الصـلاة:
تلك الصـلة بينك وبين مصـدر سـلامك ……… التي من خلالها تؤكد علي إيمانك وعلي ثقتك بمحبة إلهك الحي الحاضر في داخلك وفي حياتك “وحتي إن صرت في وادي ظل الموت فلا أخاف شرا لأنك أنت معي، عصاك وعكازك هما يعزيانني” ” إن كان الرب معنا فمن علينا”……… الصـلاة التي من خلالها تشـكر فتعيش حالة من القناعة توصلك إلي سـلام داخلي …….. الصـلاة التي بواسطتها تميزالخير والشر فتصل إلي رؤية واضحة لأمور حياتك تبعث فيك سـلاما داخليا .
* إغضبـوا ولا تخطئوا:
إجعل كلام الكتاب المقدس محفورا في قلبك وهو سيصلك للسـلام ……. فمن حقك أن تغضب لأمور حياتية ……. مثلا إذا فقدت وظيفتك خاصة وأنت تعول أسرة …… ولكن لا تجعل غضبك يصل بك إلي أن تري أن كل الأبواب مغلقة والدنيا سوداء ومن ثم تكتئب وتغتم وهذا هو فقدان السـلام ……… إغضب وتفاعل بإنسانية مع أمور حياتك ولكن لا تدعها تفقدك ثقتك بمحبة إلهك ، تلك المحبة التي جاد بها كي تعطيك قدارت كثيرة تستطيع من خلالها التعامل من الأمور السيئة بل والإستفادة من الوضع السئ لمنفعتك في النهاية ….. “سـلامي أترك لكم …. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا” …….. ” أما ثمار الروح فهي محبـة ، فـرح ، ســلام”.
* الإفخارستيا:
ذلك الشيء الملموس والمحسوس لمحبــة الله الذي بنيت عليـه إيمـانك …… تلك المحبة التي أوصلته إلي أن يعطي ذاتـه كليـا لنـا …… يعطينا ذاتـه طعـاما لنحيـا ونتغذي به ويتغلغل في كل كياننـا ……
ليس هناك أعظم من المحبــة تستطيع أن تجعلنا نعيش ســـلاما داخليــا محبــة الله ومحبــة القريب.
هنـد لويس
19 ديسمبر 2011