اندريا تورنييلي: تشديد بندكتس السادس عشر على ضرورة العمل كي يشع نور المسيح، لا نورنا الشخصي
نقلا عن الفاتيكان نيوز
5 يناير 2023
كتب : فتحى ميلاد – المكتب الاعلامي الكاثوليكي بمصر .
أن نجعل نور المسيح يشع، لا نورنا الشخصي، وضرورة تفادي الاعتماد على سلطة أو قوة المؤسسات. كان هذا الجانب الهام في إيمان وفكر البابا بندكتس السادس عشر وحبريته موضوع مقال لمدير التحرير في الدائرة الفاتيكانية للاتصالات اندريا تورنييلي.
في مقال جديد له حول البابا بندكتس السادس عشر، الذي ترأس اليوم البابا فرنسيس قداس جنازته، توقف مدير التحرير في الدائرة الفاتيكانية للاتصالات اندريا تورنييلي عند نقطة تجمع البابوَين عبَّر عنها البابا بندكتس السادس عشر في رسالته الأولى إلى مدينة روما والعالم في صباح اليوم الأول عقب انتخابه، حين شدد على أنه يعلم أن واجبه هو أن يجعل نور المسيح يشع أمام رجال ونساء اليوم، لا نوره الشخصي. وتابع تورنييلي أن هذا الوعي، وكما قال البابا راتزنغر، ينطلق من أن الكنيسة هي كنيسة المسيح لا كنيستنا، إنها كنيسة الله، وعلى الخادم الانتباه إلى تعامله مع الخير الذي أوكل إليه، وأضاف البابا مؤكدا ضرورة عدم ربط الناس بنا كأشخاص أو البحث عن سلطة أو هيبة أو تقدير شخصي.
عاد مدير التحرير في الدائرة الفاتيكانية بعد ذلك إلى تحذير الكاردينال راتزنغر قبل انتخابه خليفة للقديس بطرس الكنيسة من مرض أصابها ولا يزال يصيبها، وهو الاعتماد على التركيبات والتنظيم. وذكَّر اندريا تورنييلي هنا بحديث البابا بندكتس السادس عشر إلى أساقفة البرتغال في فاطيما سنة ٢٠١٠ حين قال إنه مع شعور كثيرين بأن الإيمان الكاثوليكي لم يعد إرثا عاما للمجتمع، أو مع النظر إليه وكأنه بذرة أخفتها آلهة هذا العالم ورجاله فسيكون من الصعب جدا أن يتمكن هذا الإيمان من لمس القلوب من خلال كلمات بسيطة أو دعوات أخلاقية أو نداءات عامة للالتزام بالقيم المسيحية. وبرر بندكتس السادس عشر كلماته هذه بأن مجرد إعلان الرسالة لا يصل إلى قلوب الأشخاص ولا يلمس حريتهم ولا يغير حياتهم، فما يجذب هو في المقام الأول لقاء أشخاص مؤمنين يجذبون بفضل إيمانهم إلى نعمة الله من خلال شهادتهم له. أشار مدير التحرير بالتالي إلى أن الكنيسة اليوم لا يمكنها التفكير في العيش في حنين إلى ما كان لديها من سلطة في الماضي، بل على العكس، فقد دعا كلُّ من بندكتس السادس عشر وفرنسيس وشهدا لأهمية العودة إلى ما هو جوهري، إلى كنيسة غنية فقط بالنور الذي تتلقاه بمجانية من الرب.
ثم توقف اندريا تورنييلي عند هذه العودة إلى ما هو جوهري واصفا إياها بمفتاح الرسالة، وأضاف أن هذا ما أشار إليه يوزيف راتزنغر حين كان عميدا لمجمع عقيدة الإيمان. وذكَّر بشكل خاص بكلمات له تعود إلى سنة ٢٠٠٠ انطلق فيها مما جاء في الإنجيل عن ملكوت الله الذي شبهه يسوع بحبة خردل قائلا: “هيَ أَصغَرُ البُزورِ كُلِّها، فإِذا نَمَت كانَت أَكبَرَ البُقول، بل صارَت شَجَرَةً حتَّى إِنَّ طُيورَ السَّماءِ تَأتي فتُعَشِّشُ في أَغصانِها”. وتحدث البابا بندكتس السادس عشر حينها عن الكرازة الجديدة في مجتمع معلمَن فشدد على ضرورة تفادي عدم الصبر والبحث بشكل فوري عن نجاح كبير وأرقام كبيرة، فليس هذا أسلوب الله. وتابع أن الكرازة الجديدة بالإنجيل لا يمكن أن تعني جذبا فوريا من خلال أساليب أكثر تطورا لجموع ابتعدت عن الكنيسة، فتاريخ الكنيسة في حد ذاته يعلِّمنا أن الأشياء الكبيرة تبدأ دائما ببزرات صغيرة، بينما حركة الجموع هي دائما عابرة. وأضاف الكاردينال راتزنغر حينها أن القوة الخارجية ليست علامة رجاء الله، وذكَّر بأن الجزء الأكبر من أمثال يسوع يشير إلى تركيبة عمل الرب هذه وتجيب هكذا على مخاوف التلاميذ الذين كانوا ينتظرون نجاحات مختلفة وعلامات أخرى من المسيح. وواصل عميد مجمع عقيدة الإيمان حينها أن المسيحيين كانوا في البداية جماعات صغيرة مشتتة في العالم وغير هامة بالمعايير الدنيوية، إلا أنهم كانوا البزرة التي تتغلغل إلى داخل الخميرة حاملة في طياتها مستقبل العالم. وشدد الكاردينال راتزنغر في كلمته تلك على ضرورة تفادي التطلع إلى تعزيز سلطات مؤسساتنا، بل يجب خدمة خير الأشخاص والبشرية موفرين الفسحة لمن هو الحياة. وأضاف أن هذا التخلي عن الذات، مانحين إياها للمسيح من أجل خلاص البشر، هو الشرط الأساسي للالتزام الحقيقي من أجل الإنجيل.
وفي ختام مقاله أكد اندريا تورنييلي مدير التحرير في الدائرة الفاتيكانية للاتصالات أن هذا الوعي قد رافق المؤمن واللاهوتي والأسقف والبابا يوزيف راتزنغر طوال حياته، وعيٌ ترددت أصداؤه أيضا في عظة خلفه البابا فرنسيس خلال ترؤسه اليوم قداس جنازة البابا بندكتس السادس عشر.