ايليا النبي 3
الأرملة
للأب هاني باخوم
جف النهر. نعم جف النهر الذي كان يرتوي منه ايليا. جف آخر امل له ولإسرائيل كي يبقوا على قيد الحياة. ارسله الرب الى هناك كي يحيا والآن يجد ان النهر ينضب. حتى الآن، لم يعُد الشعب الى الرب. وايليا يختبر نتيجة خطيئة شعبه. الشعب لم يتب بالرغم من الجفاف. فيجف حتى النهر الذي كان يشرب منه ايليا. النبي يقاسم الشّعب حياته وحالته لكن دون خطيئته. يقاسمهم نتيجة الخطيئة التي لم يرتكبها. صورة للمسيح الذي سيحمل نتيجة وخطيئة كل انسان: فعنده ستتلاقى كل شرور العالم.
يظهر الرب ويقول له: “قُم وامضِ الى صَرفَتَ التي لصيدون، وأَقم هناك، فقد امرت هناك امرأةً ارملة أن تُطعمك” (1مل 17: 9).
ايليا عليه ان يثق من جديد بإله اسرائيل حتى وان كان لا يفهم لم كل هذا. اذا كان الله قديراً ودبر الطعام عن طريق الغربان فلماذا لا يرسل له الماء الآن عن طريق طائر آخر، او بأية وسيلة اخرى؟ لماذا عليه ان ينطلق الى مدينة اخرى؟ لماذا يجب ان يكون عبئاً على ارملة؟
الأرملة في الكتاب المقدس علامة عن الشخص الضعيف. فزوجها الذي يرعاها، يتولى امرها ويؤمن لها متطلبات الحياة، قد مات. الآن هي التي يجب ان ترعى ايليا وتدبر له احتياجاته؟ لم كل هذا؟ الا يوجد شخص آخر اكثر قدرة ليرعاه بدلاً منها؟ لكنه لا يغرق في الاسئلة، فهو لا يعبد المنطق ولا يتبع الواجب او ما يجب ان يكون، بل يتبع صوت الله: “فقام ومضى الى صَرفَت” (امل 17: 10).
يصل ايليا الى مدخل المدينة، ويجد ارملة تجمع الحطب. فيقول لها: “اعطني لأشرب”. هي وبدون اية كلمة تذهب لتأتي له بالماء. وعد الله يتحقق، هذه هي الأرملة التي ستعتني به، ولديها ماء. نعم لديها ماء لدرجة انها تتوجه حالاً لتأتيه به. في حين ان الكثير من الأنهار قد جفت، واسرائيل تغرق في الجفاف، فلا مطر ولا ندى الا هنا في صرّفت التي يبدو انها لم تتأثر. الأمل يعود من جديد، نافذة على الرجاء تنفتح…. يوجد ماء… ينفتح قلب ايليا، ثقته بإله اسرائيل كانت في محلها . تنفتح ايضاً شهيته ويطلب من الأرملة كسرة خبز ليأكلها….وهنا تتكلم الأرملة قائلةً: “حي الرب الهك! انه ليس عندي رغيف إلا ملء راحة دقيقاً في الجرة وقليلاً من الزيت في القارورة، وها انا اجمع عودين من الحطب لأدخل واعده لي ولابني وناكله ثم نموت”. (1مل 17: 12).
ماذا؟ الأرملة لا تملك إلا القليل من الدقيق والزيت ما يكفي لوجبة واحدة لها ولابنها؟ فإذاً لقد وصل الجفاف الى هنا ايضاً. ليس فقط الجفاف بل المجاعة ايضاً. الأرملة التي كان عليها ان ترعى ايليا لا تملك شيئاً، كيف ستعتني به؟ هل هناك ارملة اخرى في المدينة؟ بماذا سيردّ ايليا؟ قبل ان نرى هذا، لنتامل لحظة في تلك الأرملة.
عجيب امر تلك الأرملة، لا يوجد لديها الا القليل من الدقيق والزيت، ما يكفي لوجبة واحدة وبعد ذلك؟ هي تعلم انها ستموت مع ابنها، ليس لديها اي رجاء او امل بأن يتغير شيء، إلا انها تستمر بفعل ما عليها فعله، تجمع الحطب لتطهو طعامها الأخير. لا تلعن. عدم انتظارها لأمر جديد، ويقينها ان لا شيء سيتغير، لا يوقعها في اليأس ولا ترفض القيام بعملها. بل على العكس، تبدو متصالحة مع الواقع، غير متمردة، يأتي اليها شخص غريب ذو لهجة مختلفة يطلب ان يشرب فلا ترذله، ولا تلقي عليه همومها واوجاعها. فقط عندما يطلب الطعام تخبره بحقيقة عدم توفر شيء لديها. ان ما لديها يكفي لها ولابنها لساعات قليلة. هذه الأرملة تعلم انها وابنها سيموتان بعد ساعات. هي تنتظر الموت، وبينما تنتظره تعمل ما تأمرها به الحياة. تعمل لحياتها وحياة ابنها، تطهو الطعام لتستعد للموت. وبينما تجمع الحطب تفكر بابنها، بعد قليل لن يكون وهذا لا يحبطها. فالمهم هو الآن. الآن هو حي، يجب ان تطعمه لكي يحيا تلك الساعات. فظل الموت المقترب لا يمنعها من عيش ما تبقى لها من الحياة. عجيب امر تلك الأرملة! من اين لك هذا السلام؟؟….
الآن اقترب ان يتحول الشك الى يقين! من المؤكد انها ليست الأرملة التي حضرها الرب لكي تعتني بايليا. انه لبديهي، فهي لا تملك شيئاً. تقول لايليا لا املك الا ما يكفيني وابني لوجبة واحدة. ماذا سيفعل ايليا؟ هل سيرحل باحثاً عن ارملة اخرى ايسر حالاً؟
الى المرة القادمة…..
ايام مباركة.