بدء الصوم الأربعيني 2016
زمن الصوم هو زمن النعمة (2 كورنثوس 6: 2) التي تعمل فيه لتجدد قلبه وتعدل سلوكه ليشابه يسوع المسيح. لقد خُلِقْنا لنَكون على مِثال المسيح. يقول بولس: “لأنَّ الذين سَبَق فعَرَفَهُم، سَبَق فعَيَّنَهُم، ليكونوا مُشَابِهين صُورَة ابْنِه” (رومية 29:8). ولقد أُعْلِن هذا الهَدَف عِنْد خَلْق الإنسان “وقال الله نَعْمَل الإنسان على صُورَتِنا كشَبَهِنا” (تكوين 26:1).
ولكي يصير الإنسان على صورة المسيح في خضم حياة صعبة ومشكلات عدة، يأتي الزمن الأربعيني المقدس ليُقدم فرصة أخرى للتجديد والنمو الروحي، إلى أن يصل الإنسان إلى تلك الصورة التي خُلق عليها.
عندما تحدث يسوع عن الصوم لم يأتي حديثه منفردًا بتعداد فؤائده الروحية، بل ربطه بالصلاة والصوم (متى 6: 5- 18) وهو الإنجيل الذي نقرأه في أحد بدء الصوم المقدس.
زمن الصوم هو زمن النعمة الذي يعمل فيها الروح القدس داخل قلب الإنسان المصلي إلى أبيه في الخفاء. فالصلاة وحدها هي التي تُتيح للروح القدس تغير قلب الإنسان واِخراجه من سجن الذات. عندما نصلي ونسمع كلام الله ونتقبل الأسرار يغير الروح قلب الحجر ويعطينا قلبًا من لحم، فنتمكن من العمل بوصايا الله والسلوك حسب مشيئته: “أُعطيكُم قلبًا جديدًا وأجعَلُ في أحشائِكُم روحًا جديدًا وأنزِعُ مِنْ لَحمِكُم قلبَ الحجرِ وأُعطيكُم قلبًا مِنْ لَحمِ. وأجعَلُ روحي في أحشائِكُم وأجعَلُكُم تسلكونَ في فرائضي وتحفظونَ أحكامي وتعمَلونَ بِها” (حزقيال 36: 26- 27). لا يمكن للإنسان أن يتوجه لمساعدة آخر دون هذا الدافع من الروح القدس الذي يُشكله على مثال الابن الذي جاء لا يُخدم بل ليَخدم، جاء ليساعد الأرملة ويشفى من هم في حاجة إلى الشفاء.
إذا توجه الإنسان لمساعدة آخر دون دافعية الروح القدس، فإن عمله سيصبح عملاً تطوعيًا، إنسانيًا بالدرجة الأولى، سرعان ما يضمحل لتعارضه مع طبيعة الإنسان المتمركز حول ذاته. فالتوجه نحو الآخر والاهتمام به على مثال يسوع المسيح في عنايته بالبشر، يتعدى تقديم المساعدات واقتسام الخبر مع الجائع. هناك أمرٌ أكثر عمقًا، وهو الاحساس بالآخر، بالأمه وأفراحه: “فإذا تألَّمَ عُضوٌ تألَّمَت معَهُ جميعُ الأعضاءِ، وإذا أُكرِمَ عُضوٌ فَرِحَتْ معَهُ سائِرُ الأعضاءِ” (1 كورنثوس 12: 26).. فالجميع يُشكلون جسدًا واحدًا في المسيح يسوع، وإذا تألم عضوًا في الجسد تألم معه سائر الأعضاء. الأمر يتعدى روح التضامن والشركة بين الأعضاء، فعندما يتألم عضو بالجسد، فإن سائر الأعضاء تتألم بصورة كيانية معه.
يتضح لنا هنا مدى ارتباط الصوم بالصلاة، فالإنسان، بدافع من الروح القدس، يشعر في جسده بآلام الفقير والمعوز. لذا عندما تنظم الكنيسة أوقاتًا للصوم، أي الانقطاع التام على الطعام والماء، هي تتيح لنا أن نختير في أجسادنا مشاعر وآلام الإنسان الفقير التي يشعر بها على الدوام عند عدم تسديد احتياجاته الحياتية. في صومنا نختبر تلك الآلام التي يشعر بها الآخرين، لكي نعي ظروف الحياة وقسوتها، ونتفهم مدى حاجة الآخرين. فنتوجه إلى المساعدة العينية والمادية لهؤلاء. تنفتح قلوبنا على الصدقة.
فالصدقة تعنى إن كل عضو يهتم بالأعضاء الأكثر ضعفًا، الأكثر حاجة إلى الرعاية. يقول الله لقايين: “أين أخوك”، معلنًا رسالة الإنسان على الأرض في أن يكون حارسًا لأخيه، مهتمًا بشئونه، عاملاً على رعايته. يقتطع الإنسان جزءً من احتياجاته الأساسية لصالح عضوًا آخر في الجسد. الصوم عن الأكل غير مفيد إذن في تشبه الإنسان بيسوع المسيح طالما لم يوجه ذلك الفائض في ميزانية الإنسان لصالح أخٌ أخر، في الجسد الواحد، يحتاج إلى مساعدة.
الصوم والصلاة والصدقة هي وحدة واحدة لا تتجزأ تصل بالإنسان إلى التشبه بيسوع المسيح الذي كان يجول يصنع خيرًا.
وكل عام وأنتم بخير
كتبه: الأب مرادفى: