سنة اليوبيل والغفرانات …للاب هاني باخوم
للاب هاني باخوم
في 13 مارس 2015، أعلن قداسة البابا البابا فرنسيس تكريس سنة يوبيلية استثنائية باسم “سنة الرحمة” وستبدأ في 8 ديسمبر 2015 وتنتهي في 20 نوفمبر 2016. كما وأسند الاهتمام بهذه السنة إلى المجلس ألحبري لتعزيز التبشير الجديد.
سنة اليوبيل تتكرر كل 25 عام، وكانت سنة الفداء هي آخر سنة يوبيل استثنائي أعلن سنة 1983 في عهد قداسة البابا يوحنا بولس الثاني. لكن ما هو المقصود بسنة اليوبيل؟
كلمة “يوبيل” هي كلمة عبرية ومعناها “قرن الخروف، البوق” ومعناها الأصلي النفخ بالبوق، لأنهم كانوا ينفخون بالأبواق في بداية هذه السنة. وفيها كان يعود الأشخاص والعائلات والعشائر إلى حالتهم الأصلية. فكان يحرر العبيد العبرانيون، وترد جميع الرهائن والأراضي إلى أصحابها الأصليين (لا 25: 8-17 و23-55 ، عد 36: 4).
فكانت هذه السنة هي إمكانية كي يرجع كل شيء إلى أصله، حسب مخطط الله. الى حيث ما أراده الله له منذ البدء. وبالتالي ارتبط هذا المعنى بعودة الإنسان أيضا الى حالته الأصلية قبل السقوط في الخطيئة. عودة الإنسان الى الشركة التامة مع الله ومع الآخرين. لذا فهي سنة رحمة. تعلن فيها الكنيسة إمكانية التوبة والرجوع إلى الله.
بهذه المناسبة تمنح الكنيسة عطية ونعمة “الغفرانات” حسب القواعد التي يحددها الكرسي الرسولي.
– الغفرانات في تعليم الكنيسة وعقيدتها
الغفرانات هي، اولاً وقبل كل شىء، عقيدة وممارسة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسر التوبة والمصالحة والاعتراف بالخطايا[1]. فمفهوم الغفرانات ينبع من مفهوم الكنيسة الحقيقي للخطيئة وتوابعها واحتياج الإنسان للتخلص منها.
فالخطيئة هي واقعة تحرم الإنسان من الشركة الإلهية. بالخطيئة الإنسان يعلن، بالفكر او بالقول، أو بالفعل او بالإهمال، تصديقه لخدعة الشيطان ولتعليمه المتواصل: ان الله لا يحبه، لا يريده ان يحقق ذاته. لذلك الله يمنع الإنسان من بعض الأفعال كي لا يصير مثله الهاً سعيداً. هذا ما يقوله ابليس لحواء (تك 3: 4). وحواء والتي هي رمز لكل انسان تقتنع بكلام ابليس وتصدقه وتشك في حب الله لها، فتأكل من الشجرة. اي ان الاكل من الشجرة والذي هو فعل الخطيئة ما هو الا فعل مادي يجسد خطيئة الانسان الحقيقية وهي تصديق كلام المجرب.
ابليس يستخدم واقع الانسان من محدودية، من الم، من صعوبات، ويفسر هذا الواقع للانسان كدليل على عدم حب الله له. عندما يصدق الانسان هذا التفسير يٌعبر عن هذا بطريقة مادية وملموسة وتلك هي الخطيئة التي قد نراها تحت اشكال وصور مختلفة منها ثقيلة او عرضيّة.
فالخطيئة تُظهر وتجسد شك الإنسان في حب الله. وبهذا يمنع الإنسان نفسه ان يرى هذا الحب، يمنع الانسان نفسه ان يتواصل بينبوع الحياة، بالله، فيختبر الموت. هذا ما يسمى عقوبة الخطيئة وهي الموت. الإنسان بخطيئته ينفصل عن الله فيختبر الموت. هذا الموت، اوالعقاب، هو ليس عقاب انتقامي من الله بل هو نتيجة حتمية تنبع من نفس طبيعة الخطيئة، من انفصال الانسان عن ينوع الحياة[2].
هذا العقاب له بعدان: بعد ابدي، أي بالخطيئة الثقيلة يحرم الانسان نفسه من الشركة الالهية وباستمراره في الخطيئة يصبح غير اهل للحياة الابدية.
والبعد الأخر هو “العقاب الزمني” اي كنتيجة للخطيئة ينتج ايضاً تعلقاً مريضاً بكل الخليقة والمخلوقات. فيختبر الانسان هذا العقاب في حياته اليومية، في علاقاته مع الاخرين، فقد يرى الأخر وكانه عدو دائم له، وان كان من اقرب الاقارب. فقد يرى كل شىء ضده لمنعه من الحياة السعيدة، يرى الاحداث بطريقة مزيفة، فيخاف، نعم يختبر الخوف. هكذا ايضاً ادم اختبر العقاب الزمني بعد الخطيئة، فعندما سمع صوت الله خاف لانه كان عرياناً (تك 3: 10). اي ان علاقته بنفسه وبمن حوله تغيرت جذرياً بعد الخطيئة.
الله الاب في ابنه يسوع المسيح يكشف عن حبه الازلي للانسان، فمن يؤمن بالمسيح، اي من يتوب عن تصديقه لكلام ابليس وينكره ويرجع لمعرفة حب الله يتمتع بالغفران الممنوح له بفضل ذبيحة المسيح الابدية.
فبسر التوبة والمصالحة الانسان يتنقى ويتطهر من العقاب الابدي، اي يرجع اهلاً للشركة الالهية والحياة الابدية. لكن يبقى ما اسميناه بالعقاب الزمني والذي يبقى بالرغم من قبول المغفرة واستعادة الشركة الالهية[3].
الغفرانات وسنة اليوبيل هي عطية من الله بها يمنح الحرية ويعتق الانسان من هذا العقاب الزمني. بها يرجع الإنسان الى حالته الأولي من نعمة وشركة مع الله ومع الآخرين.
هذه الغفرانات يمنحها الله بواسطة كنيسته المقدسة للمؤمن بعد ان يظهر المؤمن صدق نيته واستعداده لقبولها. لذلك وفي مناسبات كنسية مختلفة تعلن الكنيسة عن امكانية قبول الغفرانات.
المؤمن قد يحصل على هذا الغفران لنفسه او من اجل الراقدين، وهنا تظهر الشركة الحقيقية بين الأحياء والأموات[4].
بمناسبة سنة اليوبيل سيكون هناك منح الغفرانات تحت تعليمات معينة سيتم إعلانها من الكرسي الرسولي لاحقا.
انه لخبر مفرح لكل من يشعر بهذا العقاب الزمني نتيجة لخطيئته بالرغم انه تاب عنها وغفرت له. ان يتقدم ويحصل بايمان على الغفرانات المقدسة من الكنيسة الام. انه لخبر مفرح للانفس المطهرية والتي يمكننا الان ان نساعدهم ونقدم لهم هذه الغفرانات علامة على الشركة التي تربطنا بهم برغم اننا لا نراهم.
فليكن عاما مباركا للجميع.
انظر التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1471.[1]
[2] انظر التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1472.
[3] انظر التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1473.
[4] انظر التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1471.