stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

كل شئ يحل لى و لكن ليس كل شئ ينفع ‏- الاب وليم سيدهم

2.3kviews

تكتسب كلمة “حرية” معانٍ متعددة و متشابكة و أحياناً معقدة، ذلك أن كل إنسان منا خُلق حراً على صورة ‏الله فعلاً. إلا أن أى ملاحظة أو محاولة للحوار بين شخصين نجدها تنتهى عند كلمة “أنا حر أو حرة” و ‏أغلب الظن أن أحد المتحاورين لم يجد حجة أخرى ليكمل الحوار لسبب أو لآخر و فجأة يطل علينا التصريح ‏‏”أنا حر ، وأفعل ما بدا لى” أى سأنفذ ما أريد رغماً عنك. فهذه الجملة محاولة يائسة لتأكيد الذات سواء كان ‏من نطق هذه الجملة على صواب أم على خطأ.‏
و قد نجد الجملة التقليدية “حريتك تنتهى عند حرية الآخرين” كلمات هلامية غير محددة لا نفع منها إلا ‏القدرة على التصريح بها. و هنا علينا أن نفرق و نعدد الجوانب المختلفة التى تمارس فيها الحرية. أولها ‏الحرية الأخلاقية خاصة و أن الفعل الأخلاقي يشترط أن يكون من يمارسه شخصاً حراً من كل ضغوط كما ‏يقول الفيلسوف “كانط” ، ولكن ما هى الأخلاق؟ هى الضوابط السلوكية المرتبطة بالخير العام لجماعة ‏بشرية و بالتالى فإن حرية الفرد مقننة في إطار قبول الجماعة المعينة لهذا الفعل الأخلاقي من عدمه. فمثلاً ‏كل إنسان حر أن يسير عُرياناً فى الشارع من حيث المبدأ لكن هل هذا الفعل يتفق مع المعايير التى ارتضتها ‏الجماعة؟! لا أحد يستطيع أن يلوم عرياناً فى النزول إلى البحر و لكن هل يصبح خارج منزله و في قارعة ‏الطريق ؟ هذا أحد الأمثلة لممارسة الحرية.‏
نجد الأبعاد السياسية و الإجتماعية و الثقافية و الدينية و الإنسانية تضع أمام الحرية ضوابط معينة عل ‏الإنسان الحر أن يلتزم بها و بالتالى فإنه لا توجد حرية مطلقة كما يتخيل الناس عامة خاصةً الأطفال و ‏المراهقون و المراهقات و بعض مروجى الفتن و الإشاعات.‏
و حينما يتحدث القديس بولس عن حرية الإنسان فى فعل أى شئ فهو يضع معياراً “ليس كل شئ ينفع” ‏فمثلاً كل ذكر و أنثى خلقا لكى يتعاونا و يصلا إلى مرحلة إقامة علاقة جنسية لها معنى و هدف ، و الهدف ‏الأسمى هو إنجاب الأطفال لتعمير الكون، ولكن.. هل وجود الطاقة الجنسية عند الطفل و الطفلة يجعلهما ‏يمارسان العلاقة الجنسية بلا ضابط و لا رابط ؟ أليس هناك مراحل للنمو و النضج الجنسى الذى يتطلبه ‏تكوين أسرة و تحمل مسئولية لرعايتها مادياً و روحياً و جسدياً و نفسياً؟
مثل أى شجرة أو نبات لديه القدرة على الثمار فإن هذه القدرة تأخذ مسارات مختلفة للبلوغ إلى مرحلة ‏إعطاء الثمر. هكذا الطاقة الجنسية لا يمكن أن تجعل حاملها يمارس الجنس كما يحلو له بل عليه أن يحترم ‏النمو الجسدى و الروحى و النفسي الذى لا ينفصل عن النموالجنسى أضافة إلى إحترام الضوابط الثقافية و ‏الدينية و الإجتماعية .‏
إن المحددات التى تضعها الأديان و الثقافات لضبط السلوك الجنسي تختلف من ثقافة إلى أخرى و من بيئة ‏إلى أخرى و من دين لآخر، فلا يمكن للأفريقى مثلاً أن ينسي أن عرى المرأة أوالرجل شئ عادى بالنسبة له ‏و متى حل ببلد أوروبى أو شرقى أو وسطى عليه أن يغطى جسده و ألا حدثت بلبلة و مشكلة لدى البلاد ‏الأخرى التى يذهب إليها هكذا صعب على أى إنسان شرقى أن يذهب إلى أفريقيا فينزع عنه ملابسه التى ‏لايرى نفسه وقوراً إلا بها.‏
كذا فى الأدوار السياسية فالنظم الدكتاتورية لا تسمح لأحد بأن يوجه نقداً لقياداتها السياسية و بالتالى فإن ‏رعايا الدول الديموقراطية لن يغامروا بأن يوجهون نقداً مباشرة للدكتاتور فى بلده و إلا طرد من البلد و ‏توقفت تجارته مثلاً.‏
و في المجال الإجتماعى هناك عادات عبقرية عند الدول الفقيرة مثل التضامن و المساندة فى المحن و ‏الإجتماع للسمر أو للعب بشكل نتواتر و أما في الدول الغربية فإن الوقت المخصص لمثل هذه المسامرات و ‏الحوارت غير موجود أو نادراً ما وجد.‏
إن الحرية كلمة فضفاضة وفي حقيقتها لها مسارات عديدة علينا أن نبدأ معها حتى لا تعيش أوهام الحرية ‏المغلفة.‏
و الحياة الروحية تفترض إلمام المؤمن بما تفرضه الحرية من مسئولية ومن قدرة على الاتساق مع الذات. ‏فنحن لا يمكن أن نعلن أننا أحراراً و نخاف أن نعلن رأينا حتى لا نواجه بالعنف و القهر ، وهناك فرق بين ‏الحرية الداخلية و الحرية المجسدة فى أحداث إجتماعية أو سياسية.‏
فالحرية الداخلية تأمن لنا القدرة على إتساع الأفق و الإنفتاح على الله أولاً لنستشعر و نفهم وصاياه و ‏نمارسها بحُرية و الانفتاح على الآخرين و قبولهم بإختلافاتهم المختلفة عنا. أن نمارس حواراً مع هذه ‏الحريات المختلفة لنصل إلى ضوابط يحترمها أصحاب الحريات المختلفة حتى يتم التفاعل الحقيقي.‏
إن فرض حريتنا على الآخرين خاصة إذا كانت هذه الحرية تضرهم فعلاً هى ضرب من التعصب لحريتنا ‏على حساب الآخرين و لكن إذا كان الآخرون يقصدون عن عمد إخراسنا و منعنا من ممارسة حياتنا بشكل ‏طبيعى و محترم فإننا مدعوون لعمل كل ما في وسعنا للوقوف أمام هذا التعنت الذى يمس كياننا ووجودنا ‏نفسه و كرامتنا التى وهبها الله لنا

” وتعرفون الحق و الحق يحرركم”(يو 8 : 32) ‏