مثل الطين في يد الخزاف – الأب وليم سيدهم
ينتقل الكتاب المقدس من الأمثال المأخوذة من الصيادين ومن المزارعين وتجار اللآليء الثمينة إلى استعارة مثل من الخزافين، هذ المرة على لسان إرميا النبي.
يطلب الله من إرميا النبي أن يذهب عند أحد الخزافين ليتأمل في هذه الصناعة المرتبطة بالطين، بعدها يأمر الرب إرميا أن يتنبأ لشعب اسرائيل غليظ الرقبة، ويُعلمهم درسًا من واقعهم، مستخدمًا الطين وسيلة ليشرح لبني اسرائيل وضعهم مع الله الذي يستهينون به ويتركونه في سبيل عبادة البعل وبقية الأصنام التي كانت تعبدها الشعوب المجاورة لهم.
الكلمة التي كانت إلى إرميا من لدن الرب قائلًا: “قُمِ انْزِلْ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ وَهُنَاكَ أُسْمِعُكَ كَلاَمِي” (إر 18: 2-6) ثم يقول إرميا: “فَنَزَلْتُ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ، وَإِذَا هُوَ يَصْنَعُ عَمَلًا عَلَى الدُّولاَبِ. فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ، فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ” ويضيف إرميا: “فَصَارَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: «أَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ كَهذَا الْفَخَّارِيِّ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ هُوَذَا كَالطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ أَنْتُمْ هكَذَا بِيَدِي يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ.( إر 18: 3- 6)
نظن نحن خليقة الله، أننا نمتلك إرادتنا وحريتنا بشكل مطلق، ولكن الواقع يكذب ذلك. فنحن محكومين بمجموعة من القوانين التي وضعها الخالق في الطبيعة، كما وضعها في داخلنا. هذه القواعد تقنن سلوكنا اليومي وتنظمه ومع ذلك فإن الله سمح لنا أن نمارس حريتنا في التعامل مع هذه القوانين أو رفضها، ولأن هذه القوانين هدفها الأول راحة الإنسان وكماله وطاعته للخالق فإن من يخالفها يضيع نفسه في تعارض مع محبة الخالق. وبالتالي تتحول هذه القوانين إلى شهادة ضد من يخالفها.
إن الرسالة التي يريدها الله من وراء هذا المعنى، هي الاعتراف باننا في يدي الله كما الطين في يدي الخزاف، إن صناعة الخزف منذ القدم هي صناعة الفنان، والله هنا يأخذ صورة الفنان الذي يستمتع بتشكيل الطين وينوع من أشكاله لتصبح مبهجة وجميلة.
إن عدم إدراك المخلوق لهذا البُعد الفني الخلاق لدى الله يجعله ينكر على الله فعل الخلق وفعل الحب الذي ينساب من الله نحو الإنسان فيحول الإنسان فعل الحب الإلهي إلى لا شيء، وكأن الإنسان خلق نفسه بنفسه، فتفسد علاقته بينه وبين الله.
لقد تمرد إسرائيل وعصى وقسى قلبه، وعميت أعينه، ومن خلال إرميا يبعث الله برسائله إلى شعبه ليذكره أنه صنيعة يديه وليس صنيعة الالهة الصمغية.
نعم يارب، أشكرك لأنك خلقتني ووضعت يدك عليَّ.