اسم مريم بين “مرارة” و “نجمة البحر”
اسم مريم بين “مرارة” و “نجمة البحر”
مترجم من المكتب الاعلامي للكنيسة الكاثوليكية بمصر،
من مجلة العائلة المسيحية لالبرتو كيارا.
عيدُ اسمِ مريم فائق القداسة الذي عَمَّمَهُ في الكنيسة بأسرِها البابا إينوتشينزو الحادي عشر عام 1683؛ وكان لاسمها تفسيراتٌ متعدِّدة عبر التاريخ تبنّاها وعَلَّق عليها عديدٌ من القدّيسين وآباء الكنيسة.
ففي عام 1513 مَنَحَ الفاتيكان الاحتفالَ بِعيدِ اسمِ مريم فائق القداسة لأيبارشيّة كوينكا في إسبانيا، وألغاهُ القدّيس بيوس الخامس، ثُمَّ استعاده سيستو الخامس وبعدها تمَّ الاحتفالُ بِهِ أيضًا في مملكة نابولي وفي ميلانو عام 1671. وفي 12 سبتمبر / أيلول 1683 وبعد أن تَمَكَّنَ يوحنا الثالث سوبْيِنْسْكي ورفاقه البولندِيِّين من هزيمة الأتراك الذين كانوا قد قاموا بِحِصار فيينّا وهو ما هَدَّدَ العالم المسيحيّ، قام الطوباوِيّ إينوتشينزو الحادي عشر بتعميم العيد في أرجاء الكنيسة الجامعة كَعربونِ امتنانٍ، وحَدَّد له نهارَ الأحدِ الواقع في ثُمانِية الميلاد؛ وأخيرًا رَحَّلَهُ البابا بيوس العاشر القدّيس إلى الثاني عشر من سبتمبر / أيلول.
وبِحَسَبِ ما هو مذكورٌ في تقويمِ الشُهَداء الرومانِيّ فإنَّ مغزى هذه الذكرى هو استحضارُ «حُبِّ والدة الله الذي لا يوصَف نحو ابنِها فائق القداسة، وتُقَدَّم فيها صورة أمِّ الفادي للمؤمنين كي يتوَجَّهوا إليها بالتقوَى».
وعبرَ تاريخ التفسير كان لمعنى اسم مريم عِدّة دلالات؛ وفيما يلي عَرضٌ لبعضها.
المرارة:
لقد أعطى بعض المُعَلِّمون اليهود هذا المعنى باشتقاق اسم مريم من المصدر “مر” في العبرية ويعني المرارة. ويؤَيِّد أولئك المُعَلِمّون الرأي القائل بأنَّ مريم أخت موسى قد سُمِّيَت كذلك لأنّه منذ ولادتها بدأ الفرعون في جعل حياة الإسرائيليّين مُرّة، كما اتّخذَ القرار بقتل أطفال العبرانيين. ويمكننا نحن المسيحيّين أن نقبل بهذا التفسير حين نُفَكِّر في قَولِ مريم مع سفر المراثي [1: 12] «يا جميع عابري الطريق تأمّلوا وانظروا هل مِن ألَمٍ كألَمي…»؛ بالإضافةِ إلى أنَّ الشيطان، ويُمَثِّل صورَتَهُ الفرعون، يُحارِبُ نسل المرأة، فيجعل حياةَ أتقِياءِ مريم مُرَّةً، أمّا هُم فلا يخشون شيئًا بما أنَّ سلطانتهم تحميهم.
قائدة وسَيِّدة البحر:
وبحسب هذا التفسير يُشتَقُّ اسمُ مريم من ضَمِّ كلمة “مُرِه” وتعني سَيِّدة إلى “يَم” وهو البحر، نِسبةً إلى قيادة مريم اخت موسى لنساء العبرانيّين في عبور البحر الأحمر وقيادتها لهنَّ في نشيدِ الانتصار (راجع خروج 15: 20)؛ وهكذا تكونُ «مريم قائدة وسَيِّدة بحر هذا الدهر، فتَعبُرُ بِنا من خلاله نحو السماء» (القدّيس امبروزسيوس، مواعظ للعذارَى). وكُتّابٍ قُدماء آخرين اقترحوا هذا التفسير منهم فيلون والقدّيس جيروم والقدّيس ابيفانوس. وقد تَبَنَّى القدّيس أغسطينُوس هذا التوازي التصنيفِيّ بين مريم اخت موسى ومريم والدة الإله، فَهو يدعو مريم “عازفة الدفِّ الخاصّة بِنا” لأنَّ مريم اخت موسى عَزَفَت الدفَّ للعبرانيّين وتعزفُ بِهِ مريم فائقةُ القداسةِ لنا نحن المسيحيّين نشيدَ موسى الخاص بالعهد الجديد وهو نشيد التَسبِحة الذي تَغَنَّت بِهِ مريم ذاتها؛ ويُؤَيِّد هذا التفسير اليومَ الأبّ لو دِيوه، أحَد أعظم العارفين بالكتابات العبرانيّة، حيثُ يقترحُ أنَّ لوقا كان يقصد وضع ذاك التوازي.
المنيرة، نجمة البحر:
يقوم هذا التفسير على اشتقاق اسم مريم من إضافة المُكَوِّن الإسمِيّ (أو الحَرَكِيّ) “م” إلى “أُر” (وتعني “النور” بالعبريّة) مع “يَم” وهو البحر، وذلك بِحَسَبِ القدّيسين غريغوريوس تاوماتورغو وإيزيدوروس، وأيضًا جيروم. أمّا بعض الكُتّاب فيعتبرون أنَّ جيروم لم يُفَسِّر الاسم بنجمة البحر بل بقَطرة البحر. وأوحَى وجود كلمة بحر في اسم مريم بتفسيراتٍ وتشبيهاتٍ مختلفة لمريم بالبحر؛ فقد ذكر بطرس الذي من تشيلِّس (+1183) أنَّ اسم مريم يعني “بحرَ النِعَم”، ولَحقَهُ مونتفورت بقولِهِ أنَّ «الله الآب قد جمعَ كُلَّ المياه وأسماها بحرًا، وجمعَ كُلَّ النِعَم وأسماها مريم» (التقوى الحَقّة، 23). ويقول القدّيس بونافِنتورا في تفسيرِهِ للإصحاح (1: 7) من سفر الجامعة «جميع الأنهار تجري إلى البحر» أنَّ جميع النِعَم الخاصّة بالملائكة والرُسُل والشهداء والمُعتَرِفين والعذارَى، ورمزُها الأنهار، قد صَبَّت في مريم؛ لذا فَهي بحرُ النِعَم. وتقول القدّيسة بريجيدا أنَّ «على ذلك النحوِ يكونُ اسمُ مريم عَذبًا للملائكة ورهيبًا لدى الشياطين».
الأمطار الموسميّة:
أمّا بحسب هذا التفسير فيشتقُّ اسم مريم من لفظة “مُرِه” (وبالعبريّة تعني أوَّلُ أمطار الموسم) باعتبارِ أنَّ مريم هي من ترسل من السماء “مَطَرَ النِعمة” وأنّها “هي بِذاتِها مطرُ النعمة”. وهذا التفسير قد تَبَنّاهُ القدّيس لويدجي دي مونفورت في الصلاة المُتَّقِدة بمَعرَض تعليقِهِ على الإصحاح العاشر من المزمور 67 (قد خَصَّصتَ يا الله مطرًا وفيرًا لميراثِكَ، مَطَرَ هِباتٍ أنزَلتَ يا الله وميراثَكَ المُرهَقَ شَدَّدتَ] فيقول: «[ P.I. 20] ماذا تكونُ يا الله تلك الأمطار الوفيرة التي خَصًّصتها وانتقَيتَها لتقوِية ميراثك المُتعَب؟ أليس هُم المُرسَلون القدّيسون أبناء مريم عروستك، وقد اخترتهم وجمعتهم لأجلِ خيرِ كنيستِكَ المُضعَفة والمُلَطَّخة بهذا الكَمِّ من خطايا ابنائِها؟» فسوفَ تقومُ مريم، وهي مَطَرُ النعمة، بتَشكيلِ وإرسالِ أمطارٍ من المُرسَلين إلى الأرض.
العُلَى:
فيُفَسَّرُ اسمُ مريم باشتقاقِهِ من كلمة “مَرُم” وتعني بالعبريّة الارتفاع والأعالي؛ ومن القُدماء يؤَيِّد كانينيوس هذا الطرح، وفي العصر الحديث يؤَيِّدُهُ فوجت استِنادًا إلى الاكتشافات الأخيرة لمخطوطات أوغاريت والتي سمحت بِفِهمِ كثيرٍ من مصادر اللغة العبريّة. وهكذا فعلى أساس النصِّ اليونانِيّ والنموذج العبريّ السابق له يُمكن تفسير الإصحاح (1: 78) من إنجيل لوقا (رحمة من أحشاء إلهنا افتقدنا بها الشارق من العُلَى] بأنَّ المسيح هو رحمة إلهنا الشارِق من العُلى أي من الله، أو بأنّه رحمة إلهنا «ويشرق من العُلى» أي من مريم.
مترجم من المكتب الاعلامي للكنيسة الكاثوليكية بمصر،
من مجلة العائلة المسيحية لالبرتو كيارا.