الأب/بولس جرس ” فانفَتَحَتْ أعيُنُهُما وعَرَفاهُ”
فانفَتَحَتْ أعيُنُهُما وعَرَفاهُ
“أخَذَ خُبزًا وبارَكَ وكسَّرَ وناوَلهُما، فانفَتَحَتْ أعيُنُهُما وعَرَفاهُ”
تأمل يوم الجمعة الموافق 27 ابريل 2014 الموافق 30 برمودة 1730
الأب/بولس جرس
نص الإنجيل
في الطريق إلى عمواس
“وإذا اثنانِ مِنهُمْ كانا مُنطَلِقَينِ في ذلكَ اليومِ إلَى قريةٍ بَعيدَةٍ عن أورُشَليمَ سِتِّينَ غَلوَةً، اسمُها “عِمواسُ”. وكانا يتكلَّمانِ بَعضُهُما مع بَعضٍ عن جميعِ هذِهِ الحَوادِثِ. وفيما هُما يتكلَّمانِ ويتحاوَرانِ، اقتَرَبَ إليهِما يَسوعُ نَفسُهُ وكانَ يَمشي معهُما. ولكن أُمسِكَتْ أعيُنُهُما عن مَعرِفَتِهِ. فقالَ لهُما:”ما هذا الكلامُ الذي تتطارَحانِ بهِ وأنتُما ماشيانِ عابِسَينِ؟”.فأجابَ أحَدُهُما، الذي اسمُهُ كِليوباسُ وقالَ لهُ:”هل أنتَ مُتَغَرِّبٌ وحدَكَ في أورُشَليمَ ولم تعلَمِ الأُمورَ التي حَدَثَتْ فيها في هذِهِ الأيّامِ؟”. فقالَ لهُما:”وما هي؟”. فقالا:”المُختَصَّةُ بيَسوعَ النّاصِريِّ، الذي كانَ إنسانًا نَبيًّا مُقتَدِرًا في الفِعلِ والقَوْلِ أمامَ اللهِ وجميعِ الشَّعبِ. كيفَ أسلَمَهُ رؤَساءُ الكهنةِ وحُكّامُنا لقَضاءِ الموتِ وصَلَبوهُ. ونَحنُ كُنّا نَرجو أنَّهُ هو المُزمِعُ أنْ يَفديَ إسرائيلَ. ولكن، مع هذا كُلِّهِ، اليومَ لهُ ثَلاثَةُ أيّامٍ منذُ حَدَثَ ذلكَ. بل بَعضُ النِّساءِ مِنّا حَيَّرنَنا إذ كُنَّ باكِرًا عِندَ القَبرِ، ولَمّا لم يَجِدنَ جَسَدَهُ أتينَ قائلاتٍ: إنَّهُنَّ رأينَ مَنظَرَ مَلائكَةٍ قالوا إنَّهُ حَيٌّ. ومَضَى قَوْمٌ مِنَ الذينَ معنا إلَى القَبرِ، فوَجَدوا هكذا كما قالَتْ أيضًا النِّساءُ، وأمّا هو فلم يَرَوْهُ”. فقالَ لهُما:”أيُّها الغَبيّانِ والبَطيئا القُلوبِ في الإيمانِ بجميعِ ما تكلَّمَ بهِ الأنبياءُ! أما كانَ يَنبَغي أنَّ المَسيحَ يتألَّمُ بهذا ويَدخُلُ إلَى مَجدِهِ؟”. ثُمَّ ابتَدأَ مِنْ موسَى ومِنْ جميعِ الأنبياءِ يُفَسِّرُ لهُما الأُمورَ المُختَصَّةَ بهِ في جميعِ الكُتُبِ.
ثُمَّ اقتَرَبوا إلَى القريةِ التي كانا مُنطَلِقَينِ إليها، وهو تظاهَرَ كأنَّهُ مُنطَلِقٌ إلَى مَكانٍ أبعَدَ. فألزَماهُ قائلَينِ:”امكُثْ معنا، لأنَّهُ نَحوُ المساءِ وقد مالَ النَّهارُ”. فدَخَلَ ليَمكُثَ معهُما. فلَمّا اتَّكأَ معهُما، أخَذَ خُبزًا وبارَكَ وكسَّرَ وناوَلهُما، فانفَتَحَتْ أعيُنُهُما وعَرَفاهُ ثُمَّ اختَفَى عنهُما، فقالَ بَعضُهُما لبَعضٍ:”ألَمْ يَكُنْ قَلبُنا مُلتهِبًا فينا إذ كانَ يُكلِّمُنا في الطريقِ ويوضِحُ لنا الكُتُبَ؟”. فقاما في تِلكَ السّاعَةِ ورَجَعا إلَى أورُشَليمَ، ووَجَدا الأحَدَ عشَرَ مُجتَمِعينَ، هُم والذينَ معهُمْ وهُمْ يقولونَ:”إنَّ الرَّبَّ قامَ بالحَقيقَةِ وظَهَرَ لسِمعانَ!”. وأمّا هُما فكانا يُخبِرانِ بما حَدَثَ في الطريقِ، وكيفَ عَرَفاهُ عِندَ كسرِ الخُبزِ.(لوقا24 :13 -35 ).”
نص التأمل
ما اروع هذه العبارة…
إنها تدخل الى العقل متستدعية تاريخا عميقا قديماً أليماً
أتذكرون قصة الخلق في سفر التكوين؟
هل تتذكروا تلك اللحظة الأليمة في حياة الجنس البشري
حين” انفتحت أعينهما “بالتأكيد تعرفون قصة الخلق، آبانا آدم وحواء أُمنا
كيف خالفا أمر الرب وكيف أكلا من ثمر الشجرة المحرمة
ثم كيف “انفتحت أعينهما” ” فعرفا انهما عريانان”
يا للهول ويا للفضيحة فاذا كان الخجل من العري
يمنع البشر من الخروج إلى لقاء إخوتهم فما بالك بلقاء الله
هكذا حدث حين نزل الرب الإله ” كعادته كل يوم” إلى الفردوس ” ليتمشى” مع آدم صديقه
لم يره مقبلا تجاهه سعيدا مرحبا بربه وخالقه كعادته، ولم يجده يتقافز نحوه فرحا منشرحا
ناداه بصوته الرفيق الصديق الحنون العريق: “آدم آ دم اين أنت”
وكانت الإجابة المخزية المخجلة الصاعقة الماحقة:”سمعت صوتك فاختبأت لأني عريان”
هكذا صار لقاء الطرفين مستحيلا فلا لقاء ولا حوار بين مجرم عار متعدِ وبين خالقبار قدوس
وكان إنفتاح العيون في ذلك اليوم على العري والعار حزينا كئيبا
فما عن انفتاح العيون اليوم؟
بالمسيح وفي المسيح ومع المسيح صار كل شيء جديدا
صارت البشرية تسمع كلام الرب فيضطرب قلبها شوقا وفرحا
اصبحت تتمسك بوجوده وتلح عليه أن يبقى معها
صار يستجيب ويحول مساردربه كي يلبي سؤل قلبها ويشبع عطش روحها
أمسى يجلس معها إلى مائدة الطعام ويكسر خبزه لها فيستعيدا الإبصار وتنفتح أعينهما
لكن هذه المرة إنفتاح حقيقي في الإتجاه الصحيح
انفتاح على نور وجه الرب الحي القائم المشرق،
على نورالوجود في بهاء حضور قيامته المجيدة
لذا فانفتاح العينين هذه المرة هو انفتاح سليم في الأتجاه السليم ينتج عنه توجه سليم
وهكذا لم يعد لليل وجود ولا للظلام قيمة تذكر فقد إنكسرت هيبتهما بنصرة القيامة
لذا لا يُستغرب ولا يُسستعجب ان يقوم نفس التلميذان
اللذان كانا يفكران أن الليل قد اسدل ستره على البشر والظلام باق
“فسألا المسافر الغريب ان يمكث معهما”
هما نفسهما وفي تلك الليلة عينها ويسلكان في الطريق ذاته
عائدين إلى أورشليم الناعسة في ظلام الليل ليوقظوها
” قومي استنيري يا أورشليم…فنور الرب قد اشرق عليك
وللرسل الجزعين المغلقي الأبواب ليفتحوا الأواب الجهرية لدخول ملك المجد
وليفتحوا هم ايضا عيونهم ايضا على ما شاهدا هما من نور القيامة المجيد
بل وليتوجهاا نحو العالم كله فيما بعد صارخين : ” المسيح قام ونحن شهود”
نحن رأيناه، سرنا معه ورافقنا
تحدثنا معه فاستنارت عقولنا الغبية واستقرت نبضات إيمان قلوبنا قلوبنا البطيئة
استمعنا إليه ففهمنا وإدراكنا ما جاء عنه في الكتب المقدسة،
دعوناه للمكوث معنا فبقي وللدخول الى ديارنا فدخل ،
عزمناه للجلوس إلى مائدتنا فجلس
وبدل من أن يكسر وياكل خبزنا كسر لنا خبزه فاستنارت عيوننا…
وحين أبصرناه التأمت جروح قلوبنا المكسورة
فلم تعدحاجة للمزيد وعدناسريعا إلى المفهوم الحقيقي للإيمان
اي الإيمان بما لا يُري والإيقان بما هو خفي…
وبذا اختفى عن عيوننا فور ان عرفنا انه الرب.