الأحد الرابع من الزمن الفصحي: أين أنا؟-الأب داني قريو السالسي
الأحد الرابع من الزمن الفصحي: أين أنا؟
الأب داني قريو السالسي
إنّ قراءات الأحد الرابع حسب الطقس اللاتيني تقدم لنا صفة فريدة من صفات الراعي الصالح. إنّ صورة الراعي الصالح شغلت حيزاً هاماً في حياة الكنيسة الأولى ومازالت تشغله. فقد كانت من إحدى الرموز للدلالة على عناية الرب برعيته، للدلالة على ثقة المؤمن براعيه. هناك الكثير من مَن تغنى بهذه الصورة. “إني ولو سلكت في وادي ظلال الموت لا أخاف سوءاً لأنك معي”. فالمؤمن الحقيقي هو الذي يضع حياته في أيدٍ أمينة. الراعي هو المرافق، هو المخلص، هو الخليل. هو الصديق الذي يتمشى ويتنزه مع قطيعه، يغني له ويتغنى به، يشاركه يومه من طلوع الشمس حتى مغربها، يشاركه كل شيء في نهاره، أفراحه وأحزانه، أمانه وخطره. مستعد أن يبذل حياته من أجل قطيعه. يعرف خرافه واحداً واحداً ويدعو كلّ واحد باسمه (الخراف ليس لها بعد نظر أو رؤية واضحة، لا ترى على بعد أكثر من 5 أو 6 أمتار) لهذا تسير وراء راعيه وهي تتبع صوته، الذي تحبه وتثق به.
لكن ليتورجية اليوم لا تقدم هذه الصورة عن الراعي! أو الراعي الذي يضع على منكبيه الخروف الضال، أو الذي يحمله بين ذراعيه. إنَّ اللوحة الذي يقدمها لنا يوحنا البشير هي من نوعٍ آخر، مختلف عن الصورة المألوفة لنا عن الراعي. مثلٌ ليس من السهل فك رموزه. ويبدأ “من لا يدخل حظيرة الخراف من الباب بل يتسلق إليها من مكان آخر فهو لص سارق”. يبدأ بأسلوب استفزازي وحاد “ومن يدخل من الباب فهو راعي الخراف. له يفتح البواب. والخراف إلى صوته تصغي. يدعو خرافه كل واحد منها باسمه ويخرجها. فإذا أخرجخرافه جميعا سار قدامها وهي تتبعه لأنها تعرف صوته. أما الغريب فلن تتبعه بل تهرب منه لأنها لا تعرف صوت الغرباء” فإذا أخرج خرافه الفعل اليوناني Ekbala يخرج، يدفع، يطرد. الخراف يجب ألا تبقى في الحظيرة. الصورة التي تأتي في أذهاننا لحركة الراعي هذه هي: أنّ الراعي يخرج الخراف خارج اسوار الحظيرة في الصباح وعندما يميل النهار يعيدها إلى داخل الحظيرة. لكن لم يكن هذا قصد يسوع من هذا المثل! فهو مثل ليس من السهل فهمه. ويتابع الانجيلي قائلاً: “ضرب يسوع لهم هذا المثل، فلم يفهموا معنى ما كلمهم به”. لنحاول فهم قصد يسوع وإزالة الغموض عن هذا الفعل. إخراج الخراف خارج الحظيرة. لكن قبل شرح هذه العبارة لنحاول أن نفهم من هم شخصيات المثل الذي ضربه يسوع.
الشخصية الأولى: من هو اللص والسارق؟ “السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك” السارق لا يخرج الخراف خارج الحظيرة، إنما يبقيها داخل الأسوار ليتمكن من السيطرة عليها، ويتمكن من إستغلالهم، وتلبية مآربه. السارق هنا هو مستغل، مستفيد من الحظيرة ومن الخراف لتلبية مصالحه. “جميع الذين جاؤوا قبلي لصوصٌ سارقون” تعبير عنيف وقطعي!!
الشخصية الثانية: الراعي: 1.هو مَن يدخل من الباب 2.معروف من الخراف 3.يدعو الخراف باسمائها 4.يخرجها من الحظيرة. يطردها، يبعدها من الحظيرة، لايريدها أن تبقى أسيرتها، حيث هناك مَن يستغلها. يخرجها، يبعدها، يقودها. نفس الحركة التي قام بها الله في إخراج شعبه من مصر (يتسّا) حيث الرب يقود شعبه. إخراج الشعب من مصر، حيث لم يكن بإمكانه إن يعيش حراً كان مسعبداً مستغَلاً. العبوديةالقيادة. هذا الفعل باللغة العبرية يدل على الخروج من مكانٍ ضيق إلى أفقٍ أوسع رحب، حيث هناك الحياة بالملء “أما أنا فقد أتيت لتكون الحياة للناس وتفيض فيهم”. الراعي الصالح يقود خرافه خارج الحضيرة، أما اللصوص فلا. ولا يدخلون من الباب. اللصوص يحققون مكاسبهم داخل أسوار الحظيرة. ياترى ماهي الحظيرة؟
1.حظيرة الدين: دين الإرهاب، المؤسس على الخوف والرهبة، الذي يزرع القلقمن الله، العادل، الجبار، المنتقم. وكلما كنّا داخل هذا السور لسنا بشراً!! لأننا لا نشعر بأننا محبوبين. لأننا لا نشعر بأننا أحراراً. لأننا لا نشعر بأننا أبناء الآب الذي في السموات. إنما عبيد لله الذي يوقد النار للمذنب ليحاسبه ويقاضيه. مَن يقودنا خارج هذه الأسوار؟ بالتأكيد ليست قدراتنا ومواهبنا، فقط صوت الراعي الصالح ممكن أن يخرجنا من هذه المعتقدات. كم وكم من الحروب قامت بسبب هذه المعتقدات. الجهاد باسم الله الذي سيحاسبني إن لم أفني مَن هو مختلف عني. التدمير ولتفجير تحت ذريعة الدين وما يزرعه القيمون عليه في نفوس مرؤسيهم!
2.حظيرة الأوثان: إن بقينا داخل هذه الأسوار لن نعيش كبشر!!! مثلاً: وثن حب الإمتلاك “وثن حب المعلومات” كم من الناس تهدر وقتها في تقصي أخبار الآخرين، في الفضول والحشرية والفيس بوك وغيرها… وتريد معرفة آخر الأخبار، وأهم الأنباء. “وثن حب المال” هناك من يطبقون شعار: “اجمع تربح” فيقضون حياتهم في تخزين وتخزين أمور مجدية وغير مجدية، المهم عندهم أن أكدّس. كم من الخلافات حدثت ضمن العائلة الواحدة لأن أحد الأخوة أراد أن يستحوذ على ميراث أخيه! “وثن حب اللذة” كم من الشباب يقضون لياليهم في الغوص في عالم النت بحثاً عن لذة العين. كم من الشباب دمروا أنفسهم بسبب شراهتهم في الطعام! وأوثان كثيرة أخرى… فقط صوت الراعي الصالح يحررنا ويدلنا على أن هناك قيم أفضل بكثيرٍ. وإذا بقينا في هذه الحظيرة لن نتمتع بكياننا كبشر!
3.حظيرة الصداقة المزيفة: التي تستمر مادامت المصالح قائمة. لأنه يلبي مصلحتي فإذاً هو صديقيي! لأنه يدفع عني فأنا ملكه! لأنه ويقدم لي الهدايا فهو خليلي! كم من الناس تقضي حياتها في محاباة الآخرين، في تبخيرهم وفي تمليقهم… يا لمآساة هؤلاء الناس! فهم يعيشون في إزدواجية مرّة. فقط صوت الراعي الصالح يحرر هؤلاء الناس من هذه الأسوار ويعيد لهم إنسانيتهم ليكونوا بشراً حقيقيين.
4.حظيرة الأخلاق السائدة: كلّهم يفعلون هكذا! كم من المرات قلت نفس الكلام في مراهقتي “أصدقائي كلهم يعملون هكذا وأهلهم لا يحاسبوهم” وكان رد والدي قائلاً: لو كل الناس دخلوا السجن هل تدخل أنت أيضاً؟! فقط صوت الراعي الصالح يغير عقليتنا ويهدينا نحو القيم الأنجلية السامية. 5. حظيرة الخوف، 6.الإستياء، 7.حظيرة الكره، 8.حظيرة الانتقام، 9.حظيرة العادات السيئة 10…. فقط صوت الراعي الصالح هو الذي أن يعد إليّ انسانيتي المفقودة.
وهنا يأتي السؤالنا المصيري: أين أنا؟ هل أتنعم بثمار القيامة “السلام الداخلي والفرح الحقيقي” أما أنا فقد أتيت لتكون الحياة للناس وتفيض فيهم”. الراعي الحقيقي هو مَن يرعى، ليس مَن يعطي أوامر ويصفر ويبهدل و… إنّما مَن يغذي، مَن يبحث عن الأفضل لخير رعيته، مّن يعطي حياته ليتنعم الآخر ويعيش حياته بالملء. بالتالي مِن أي حظيرةٍ عليَّ أن أخرج لأتمتع وأتنعم بثمار القيامة! السلام الداخلي والفرح الحقيقي. (يو10،1-10).