الكرازة ووسائل الاتصال والإعلام-أنطونيوس زكا
مقدمة
يشهد الزمن الذي نعيش فيه توسعاً هائلاً لوسائل الاتصال والإعلام، هذه الوسائل التي وحدّت العالم وجعلت منه ” قرية كونية “فأصبحت البشرية أسرة واحدة، وقد بلغت أهمية وسائل الاتصال والإعلام حداً أصبحت فيه بالنسبة للكثيرين الوسيلة الأساسية التي تُلهمهم في تصرفاتهم الشخصية والعائلية والاجتماعية، والكنسية أيضاً المتمثلة في (القنوات الدينية المسيحية، ومواقع الانترنت للكنائس المسيحية)
فلا نستطيع أن نتجاهل دور الإعلام الذي لم تستطع الحدود الجغرافية والسياسية أن تحول دونه. حيث ُُتعد وسائل الاتصال والإعلام اليوم حاجة اجتماعية لا غنى عنها لأي مجتمع من المجتمعات. لذا تعتبر الكنيسة وسائل الاتصال « هبة من هبات الله »[1]، في أيامنا الحالية، وذلك لتعميق الشركة وجعل البشارة أكثر فعالية. حيث رأت فيها الكنيسة ساحة كبرى من ساحات الشهادة المسيحية، ولا نستطيع أن نغفل دورها في تفعيّل وللحوار المسكوني وأيضًا الحوار المسيحي الإسلامي.
أسباب اختياري لهذا الموضوع
كثُرت القنوات الفضائية، والمواقع والمنتديات على شبكة الانترنت، التي تنشر الإيمان المسيحي، منها ما هو إيجابي وفعاّل وجذّاب للمسيحيين وغير المسيحيين، ومنها ما هو سلبي وهجومي ومنتهك للحرية الدينية، واحترام الآخر المختلف عني في الدين، وحتى المختلف عني من المسيحيين في العقائد.
كما أصبحت هناك حاجة مُلّحة لقناة فضائية لنا ككنيسة قبطية كاثوليكية، وأصبحت نقطة هجوم من مؤمني كنيستنا، لما لا نمتلك قناة كباقي الكنائس ؟
فالذي دفعني لهذا الموضوع بالرغم من الجوانب المتعددة للكرازة، هو أن جيلاً أصبح جيل وسائل الإعلام والاتصال، فلم لا نستخدم هذه الوسائل في نقل البشارة لجميع العالم. وهذا لا يقلل من رسالة المرسل، أو شهادة الحياة.
لذلك سوف أعرض في مقالي البسيط هذا، تعريف للمصطلحات المستخدمة في البشارة، موضحًا رأي الكنيسة الكاثوليكية في وسائل الإعلام والاتصال، ساردًا أنواع وسائل الاتصال ومدى تأثيرها على البشارة بالإنجيل. عارضًا إيجابيات وسلبيات وسائل الإعلام والاتصال في الكنيسة عامة ونشر البشارة خاصة، مقدمًا بعض التوصيات، خاتمًا عملي هذا بخاتمة متضمنة رأي الشخصي.
1- تعريف للمصطلحات
بَشّرَ: evangelize
« إعلان بشرى الخلاص للذين لم تصل إليهم »[2]. وردت هذه الكلمة ومشتقاتها حوالي مئة وثلاثين مرة في العهد الجديد للتعبير عن إبلاغ البشارة بالمسيح[3].
بشارة: gospel
« البشارة أو الإنجيل ( كلمة يونانية الأصل )، وهي البشرى، أي الخبر السار والمفُرح »[4].
كرازة: kerugma
« كلمة يونانية الأصل، وتعني إعلان البشارة الأولى، يقوم بها منادي المسيح، داعيًا غير المؤمنين إلى توبة الإيمان والمعمودية، فالكرازة هي العمل الأساسي في التبشير ». وردت هذه الكلمة ومشتقاتها حوالي سبعين مرة في العهد الجديد، حيث تدل على إبلاغ للأخبار أو البيانات بواسطة المناداة بصوت عالي[5].
الاتصال
كلمة مشتقة من الأصل اللاتيني ” communis ” والتي تعني ” مشترك أو شَرَاكة ” فعندما يحاول شخص ما القيام بعملية الاتصال، فإنما يحاول أن يؤسس شَرَاكة مع شخص آخر أو مع مجموعة من الأشخاص، شَرَاكة في المعلومات أو الأفكار أو المعتقدات وعلى هذا يمكن تعريف الاتصال « بأنه عملية نقل المعلومات والآراء والاتجاهات والأنباء والحقائق فيما بين الأفراد والجماعات»[6].
2- رأي الكنيسة الكاثوليكية في وسائل الإعلام والاتصال
ترى الكنيسة في ضوء الإيمان « أن تاريخ الاتصال البشري يبدو وكأنه طريق سفر طويل يمتد من بابل، موقع سقوط الاتصال ورمزه، (تك 11/4-8) إلى العنصرة وموهبة اللغات »[7]. (أع 2/5-11)
ولهذا يعتبر المجمع الفاتيكاني الثاني أنه من واجب الكنيسة، استخدام هذه الوسائل لضرورتها في بناء المجتمع الكنسي ونشر رسالة الخلاص «ترى الكنيسة الكاثوليكية أن من واجبها أن تستخدم وسائل التعبير الاجتماعي لتنشر رسالة الخلاص، وأن تعلّم حسن استخدام هذه الوسائل، فللكنيسة الحق في استخدمها وامتلاكها، بقدر ما هي ضرورية ومفيدة للتربية المسيحية، ولكل عمل آخر من أعمالها الرعائية »[8].
كما ينص التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية في استعمال وسائل الاتصال الاجتماعي « لوسائل الاتصال الاجتماعي، في المجتمع الحديث، دور خطير في الإعلام وتعزيز الثقافة والتنشئة. ويتنامى هذا الدور بفعل التقدم التقني وشمول الأخبار المنقولة وتنوعها، والتأثير الحاصل في الرأي العام »[9].
وأيضًا « الإعلام بالوسائل الحديثة هو في خدمة الخير العام. فالمجتمع له الحق في إعلام مبني على الحقيقة والحرية والعدالة والتضامن: إن حُسن مزاولة هذا الحق يقتضي بأن يكون الإعلام الاجتماعي في مضمونه صادقًا على الدوام وكاملاً، مع مراعاة حقوق عدالة المحبّة، لائقًا في صيغته متلائمًا مع موضوعه، أي مراعيًا، في الحصول على الأخبار ونشرها، قدسيّة الشرائع الأدبية وحقوق الإنسان وكرامته »[10].
نظراً للأهمية البالغة التي توليها الكنيسة لهذه الوسائل عمد الكرسي الرسولي والمجالس الأسقفية الكاثوليكية في العالم، إلى تأسيس الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية الانترنت. كما عمدت إلى نشر رسائل التعليمية بشأن وسائل الإعلام، شرحت فيها دور هذه الوسائل وتأثيرها وكيفية التعامل معها وشروط حسن استعمالها لخدمة الإنسان والمجتمع، مشجّعةً على الإقبال عليها ودمجها في جميع برامجها الراعوية والتثقيفية، وأعلنت عن يوم عالمي تحتفل فيه بوسائل الاتصال والإعلام تقديراً منها لرسالتها الاجتماعية والروحية الخاصة.
قال البابا بولس السادس: أن الكنيسة «ستشعر أنها مذنبة أمام الرب»[11] ما لم تستعمل وسائل الإعلام في سبيل البشارة. كما ندد البابا يوحنا بولس الثاني قائلاً: « لا تخشوا فتح أبواب وسائل الإعلام واسعة أمام المسيح لكي تسمع بشارته الجديدة عاليًا على السطوح »[12].
3- أنواع وسائل الاتصال ومدى تأثيرها على البشارة
3-1 وسائل الاتصال الشخصي
وهي تبادل المعلومات والأفكار والأخبار بين الأشخاص مباشرة، وتستعمل هذه الوسيلة في نقل البشارة مباشرة من شخص لآخر، وهي وسيلة لها قدرها وأهميتها « فقد استعملها يسوع نفسه كثيرًا في أحاديثه مع نيقوديموس ، زكا، السامرية، سمعان الفريسي »[13].
ونحن اليوم نستطيع أن نستخدم في أحاديثنا اليومية مع الأشخاص، حتى وإن كانت بطريقة غير مباشرة، في العمل في الدراسة في وسيلة مواصلات.
3-2 وسائل الاتصال المطبوعة
تتمثل في الكتب والمجلات والجرائد والدوريات، تُعد هذه الوسائل في كنيستنا الكاثوليكية هي الأداة الأولى في التثقيف والتربية والتعليم الروحي والعقائدي مثلاً (مجلة الصلاح، صديق الكاهن ، حامل الرسالة، رسالة الكنيسة …الخ)، إلى أن ظهرت الوسائل الحديثة المرئية والمسموعة والالكترونية.
3-3 وسائل الاتصال السمعية – البصرية
تُعد من أقوى وسائل الاتصال لأنه عن طريقها يتم نقل الصوت والحركة، فهي تُحدث تغييرات اجتماعية واقتصادية وروحية. وهذه الوسائل هي (التليفزيون، القنوات الفضائية، السينما، المسرح، الفيديو) وهي تسهم في إثراء الأشخاص إثراءً روحياً، من خلال القداسات والترانيم والعظات الروحية والبرامج التعليمية الكنسية، ومتابعة الأحداث الهامّة من حياة الكنيسة ونقل زيارات البابا الرعوية[14].
3- 4 وسائل الاتصال الالكترونية
تتمثل في الكمبيوتر ( شبكة الانترنت)، وهو أخَير وسائل الاتصال اليوم، حيث أنه ألغى تدريجياً الحواجز المكانية والزمنية،جعل من العالم قرية الكترونية صغيرة، فهو فوري، مباشر، عالمي،لا مركزي، تفاعلي، يمكن استخدامه للتغلّب على العزلة لدى الأفراد والجماعات أو لإنمائها. بوسعه أن يصبح وسيلة مميزة لنشر البشارة بالإنجيل وبنيان حضارة المحبة إذا استعملنا في ضوء مبادئ أخلاقية واضحة وثابتة. بوسع الإنترنت أن يشجع جذب الكثيرين للتعرف على المسيح، من خلال المواقع التي تنشر الإيمان المسيحي، حيث سّهل كثيرًا للحصول على ( الكتاب المقدس وتفاسيره – تاريخ الكنسية – العقيدة – وثائق الباباوات…الخ).
4- إيجابيات وسائل الإعلام والاتصال في البشارة
• سهّلت على الكنيسة إعلام العالم كله إعلامًا مباشرًا حول معتقداتها، وبعض أشكال التوجيه الرعوي، وتوضيح الرأي العام، واحترام كرامة الشخص البشري[15].
• ألغت الحواجز المكانية والزمنية، وبالتالي سهّلت عملية البشارة في العالم أجمع، وبالأخص في الأماكن التي كان يصعب على المسيحية دخولها، أو للأشخاص الذي كان يصعب الدخول معهم في حوار[16].
• يعتبر استعمالها استجابة لوصية الرب[17]، « اذهبوا إلى العالم كله، وأعلنوا البشارة إلى الناس أجمعين »
(مر16/15).
• ساعدت في انفتاح الكنيسة على كل العالم،كما أنها أشركت الكثيرين في الأحداث الهامة من حياة الكنيسة، وتقديم الفكر المسيحي.
• إذا حَسُن استعمالها أدت للجنس البشري خدمات جليلة وفعالة، كما تساعد على انتشار الملكوت الله وتدعيمه[18].
• لا تقتصر إيجابياتها على نشر الإيمان المسيحي وقيمه لغير المسيحيين فقط، بل للمسيحيين أيضًا، حيث تعمل على الارتقاء بالوعي المسيحي، وهذا يمكن أن يظهر كالتالي:
الحوار المسكوني
وسائل الاتصال لها دور في تقوية الروابط بين الكنائس المختلفة، وتعمق روح الوحدة بينهم.
الحوار المسيحي الإسلامي
تعيش الكنائس الكاثوليكية الشرقية في وسط إسلامي، ومناخ إعلامي غالبية مجالاته إسلامية، ولذلك تعد وسائل الاتصال ركيزة في إتاحة الفرصة لإمكانية إقامة حوار مسيحي إسلامي، لأن إقامة مثل هذا الحوار تتطلب مناخًا ثقافيًا إنسانيًا، وتهيئة مثل هذا الحوار يقع عبئه على وسائل الاتصال وبالأخص المسموعة والمرئية،( الإذاعة والتلفزيون والانترنت).
5- سلبيات وسائل الإعلام والاتصال في البشارة
• أنها لا تحل محل الواقع الملموس( الأسراري والليتورجي)، أو الإعلان المباشر والحي للإنجيل، فما هي إلا وسيلة اتصال لمن ترغمه الظروف على ملازمة منازلهم، أو الساكنين في أماكن بعيدة[19].
• وجود مواقع وقنوات فضائية تشحن النفوس بالبغضاء وتُمعن في تشويه المعتقدات الدينية، والهجوم عليها. والتضليل في انتشار الإيمان المسيحي عبر مواقع غير رسمية تحمل عنوانًا كاثوليكيًا[20].
• تشجع الأصولية والتعصب والاستبعاد الديني، وعدم احترام المعتقدات الدينية، وعرض الرسائل الدينية بطريقة عاطفية تلاعبًا بالعقول كما لو كان الأمر يتعلق بسلع مطروحة للمنافسة في سوق المزايدة[21].
• تستطيع وسائل الإعلام الاتصال الاجتماعي، أن تولّد عند مستعمليها شيئًا من انعدام النشاط، فتجعل منهم مستهلكين.
• بوسع وسائل الإعلام الاتصال أن تستخدم للتفرقة والعزل والأنانية وتعزيز الاستقلالية الفردية.
6- توصيات
• يوصي سينودس ( شركة وشهادة) على أهمية استعمال وسائل الاتصال الحديثة من أجل نقل الإيمان والتعليم الديني والرسالة ونشر الإنجيل والتنشئة على السلام، حيث أن هذه الوسائل هي مكان شهادة للمسيح وللقيم المسيحية[22].