stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

عقائدية

خلاص غير المسيحيين -إكليريكي جوزيف منير

8.5kviews

pentimento-cristiano-salvezza_u14578896خلاص غير المسيحيين -إكليريكي جوزيف منير

مقدمة:

         إنَّ قضية خلاص غير المسيحيين قضيةٌ شائكةٌ جدًا، تسببت في صراعٍ كبيرٍ بين الكنائس، منها المُؤيد، ومنها المُعارض، حتّى داخل الكنيسة الكاثوليكيّة هناك مَنْ يؤيدها بقوةٍ، وهناك أيضًا مَنْ يعارضها بشدةٍ. وفي هذا المقاول أحاول أن أُلقي الضوء على رأي الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، ثم التعرض لرأي الكنيسة الكاثوليكيّة، ثم عرض رأي الشّخصي في تلك القضية. 

أولاً: رأي الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة:

1-    مفهوم الخلاص:

          الخلاص هبةٌ مجانيةٌ مقدمةٌ من الثّالوث الأقدس لجميع البشر من آدم إلى أواخر الدّهور ” الّذي يريد أنَّ جميع النّاس يخلصون، وإلى معرفة الحقّ يقبلون” (1تيم2: 4). ويرى البابا شنودة الخلاص في عدة نقاط منها:

1-1  لا خلاص إلاَّ بدم المسيح وحدَه

          لا إيمان ولا أعمال بدون دم المسيح؛ فالإيمان هو إيمانٌ بدم المسيح، والأعمال مؤسَّسة على استحقاقات دم المسيح. فالأعمال الصالحة وحدها لا يمكن أن تخلّص الإنسان، لذلك الوثنيون ذوو الأعمال الصالحة لا يُخلّصون بتلك الأعمال.

1-2  شروط الخلاص بدم المسيح 

1-2-1  الإيمان

          ” الّذي يُؤمن به لا يُدان والّذي لا يُؤمن قد دين لأنَّه لم يُؤمن باسم ابن الله الوحيد” (يو3: 18)

1-2-2  المعمودية

          ” مَنْ آمن واعتمد خلص. ومَنْ لم يُؤمن يُدن” (مر16:16)

1-2-3  سر المسحة المقدسة

          لا يمكن الخلاص بدونها، لأنَّ حياتنا الرّوحيّة هي استجابة لعمل الرّوح القدّس فينا.

1-2-4  سر الإفخارستيا

          ” فقال لهم يسوع الحقَّ الحقَّ أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياةٌ فيكم. مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياةٌ أبديةٌ وأنا أقيمه في اليوم الأخير. لأنَّ جسدي مأكلٌ حقٌّ ودمي مشربٌ حقٌّ. مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه” (يو6: 53-56)

1-2-5  سر التوبة

          ” … إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون” (لو13: 3)

1-3  أهمية الأعمال الصالحة

          الأعمال الصالحة لا يتم الخلاص بسببها، ولكنه أيضًا لا يتم بدونها ” إن قلنا إنَّ لنا شركةٌ معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحقِّ. ولكن إن سلكنا في النّور كما هو في النّور فلنا شركةٌ بعضنا مع بعض” (1يو1: 6-7)

1-4  الجهاد والنّعمة

          لا يمكن أن يخلّص الإنسان بجهاده وجهده، وكذلك النّعمة وحدها لا تستطيع أن تخلّصك بدون استجابتك لها. نستطيع أن نقول إنَّ الإنسان خُلّص تمامًا عندما يكمّل أيام غربته على الأرض بسلامٍ ” … تمموا خلاصكم بخوفٍ ورعدةٍ” (في2: 12)

2- موقف الكنيسة من شمولية الخلاص:

           سُئل البابا شنودة الثّالث ” هل أختار الله أُناسًا مُعينين للخلاص ؟”، فأجاب في أربع نقاط هي:

2-1  الخلاص مُقدم للجميع

          الله يريد الخلاص لجميع النّاس، فمحبته عامةٌ للجميع وليست لمجموعة معينة ” الّذي يريد أنَّ جميع النّاس يخلصون وإلى معرفة الحقّ يُقبلون” (1تيم2: 4). وقدّم يسوع المسيح الخلاص لجميع البشر بذبيحة الصليب الكفاريّة، فإذا لم يُخلّصوا يكون السّبب هو أنَّهم لم يريدوا الخلاص ” … إنَّي لا أُسرُّ بموت الشّرير بل بأنَّ يرجع الشّرير عن طريقه ويحيا” (حز33: 11)

2-2  وضع الله الاختيار في يدي النّاس

          وضع الله اختيار الخلاص في يدي البشر، وترك الحرية لكلِّ إنسانٍ أن يختار لنفسه ” انظر. قد جعلتُ اليومَ أمامك الحياة والموت، الخير والشّر … فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك”

2-3  نصوصٌ كثيرةٌ تدل على أنَّ الإرادة بيد الإنسان

          ” … إنْ أراد أحدٌ أن يأتي فليُنكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني” (مت16: 24)، ” … إنْ أردتَ أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعطِ الفقراء فيكون لكَ كنزٌ في السّماء وتعال اتبعني” (مت19: 21)، ” هانذا واقفٌ على الباب وأقرع. إنْ سمع أحدٌ صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشّى معه وهو معي” (رؤ3: 20). فكثيرًا ما يريد الله الخير للإنسان، ولا يريد الإنسان الخير لنفسه ” ولا يُريدون أن تأتوا إليّ لتكون لكم حياةٌ” (يو5: 40)

2-4  الله مستعدٌ أن يرجع عن حكمه

          إنَّ الله مستعدٌ أن يرجع عن حكمه، إذا رجع الإنسان عن شره، كما حدث مع أهل نينوى ” فلمّا رأى الله أعمالهم أنَّهم رجعوا عن طريقهم الرّديئة ندم الله على الشّر الّذي تكلّم أن يصنعه بهم فلم يصنعه” (يون3: 10)

البابا شنودة لا يرفض خلاص مَنْ يؤمن بالمسيح، إنَّما يرفض خلاص مَنْ يظل مؤمنًا بديانته أي شمولية الخلاص.

3- خلاص غير المسيحيين في رأي بعض لاهوتي الكنيسة:

3-1  موريس تاوضروس

          يؤكد بأنَّ ليس هناك غير طريق واحد للخلاص، وهو المسيح ” وليس بأحدٍ غيره الخلاص. لأنَّ ليس اسمٌ آخر تحت السّماء قد أُعطى بين النّاس به ينبغي أن نخلّص” (أع4: 12). ويذكر إنَّ خطأ الكنيسة الكاثوليكيّة هو في خلطها ما بين الإعداد للخلاص والخلاص نفسه. فهي تخلط ما بين أن يكون الضمير أو الشّريعة الطبيعيّة أو النّاموس المكتوب في القلوب وسيلةً لإعداد البشر للخلاص، وبين أن يكون الضمير نفسه أو الشّريعة المكتوبة في القلوب طريقًا آخرًا للخلاص غير طريق المسيح.

3-2  الأنبا بيشوى

          الأنبا بيشوى يمثل لسان الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، حيث يعتبر قضية خلاص غير المسيحيين ضربةً مُوجهةً للإيمان المسيحي، لأنَّه بدون الإيمان لا يمكن أن يفلت الإنسان من غضب الله. كما يرى للمعمودية أهميةٌ عظمى في الخلاص، لأنَّها شرط الدّخول ومعاينة ملكوت الله. فهو يقول إنَّ الكاثوليك يستندون على قول بطرس الرّسول ” بل في كلِّ أمةٍ الّذي يتقيه ويصنع البرّ مقبولٌ عنده” (أع10: 35)، ولكن بطرس قال هذا في بيت كيرنيليوس عندما ذهب ليبشره بالمسيح، فهو لا يقصد أنَّ الله لا يحابي اليهود على الأمم بل كل الأجناس مقبولة أمامه إن هي آمنت بالمسيح.  

ثانيًا: رأي الكنيسة الكاثوليكيّة

1- ماهية الخلاص في الكنيسة الكاثوليكيّة

          الخلاص يعني التخلص من الشّر جذريًا ونهائيًا (الشّر المطلق)، فالشّر ليس فقط نقص الخير، إنَّما هو غروب الإنسان المتزايد عن مصدر الخير، وانهياره الدّائم في لُجة الموت أي الهلاك الأبدي النّاتج من رفض الإنسان لله.

يؤكد قداسة البابا يوحنا بولُس الثّاني بأنَّ الخلاص هو المشاركة في الحياة الأبدية والّتي تعني الاتحاد بالمسيح ” وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الّذي أرسلته” (يو17: 3)

يتحدث المجمع المسكوني الفاتيكاني الثّاني عن الخلاص المُقدم للجميع، على أنَّ الخلاص المسيحيّ يرتكز قبل كلّ شيءٍ على المحبَّة الإلهيّة، فالخلاص بات ممكنًا بالمحبَّة وفي المحبَّة

2- نشأة وتطور مقولة ” لا خلاص خارج الكنيسة”

          أكد العديد من القديسين على أنَّ ” لا خلاص خارج الكنيسة”، ومن هؤلاء القديسين أغناطيوس الانطاكي، ايريناوس، اكليمندس الاسكندري، أوريجانوس الّذي قال: ” لا يتوهمن أحدًا ولا يخدعن أحد نفسه خارج هذا البيت. أعني خارج الكنيسة، لا يخلص أحدًا فمن يخرج يتحمل هو نفسه مسؤولية موته”.وقد أيدّ هذا الكلام كلّ من القديس أغسطينوس والقديس هيرينموس، ففي تفسير فولجنتينوس الرّوسي ( 468-533م) تلميذ القديس أغسطينوس قال: ” … مَنْ يترك الكنيسة … لن يستطيع أن يكون له الله أبٌ من لم تكن له الكنيسة أمًا. فإن استطاع أن ينجوا أحد خارج تابوت نوح فهل يستطيع أن يخلص من هو خارج الكنيسة. إذ إنَّه لا خلاص خارج الكنيسة.”

بدأت تخف شدة هذه المقولة في المجمع التريدنيتني عام 1547م بما دُعى بـ( الشّوق إلى الكنيسة) عندما قال: ” إنَّه يمكن الحصول على نعمة التبرير من خلال الشّوق إلى الأسرار، وإنَّه يمكن نيل المعمودية ليس فقط بالفعل بل أيضًا بالشّوق.”، وقد توّجه البابا يوحنا الثّالث والعشرين في رسالته ( رئيس الرّعاة) عام 1954م أكدّ فيها أنَّ الخلاص من المسيح يشمل العالم بأسره لمن يقبل المسيح ربًا ومخلّصًا له. ومع قداسة البابا يوحنا بولُس الثّاني أكدّ أنَّ الكنيسة الكاثوليكيّة مؤتمنة على وسائل الخلاص، فهي مسئولة عن التبشير بالمسيحيّة مع كلِّ أعضاء الدّيانات غير المسيحيّة. فالكنيسة تريد أن تدل الجميع لطريق الخلاص الأبدي.

 

3- موقف المجمع المسكوني الفاتيكاني الثّاني:

 3-1  تجاه الطوائف الأخرى

          هناك الكثير من عناصر القداسة والحقيقة نجدها في كنائس خارج حدود الكنيسة الكاثوليكيّة، والّتي ليست في وحدةٍ تامةٍ مع الكنيسة الكاثوليكيّة، فقوتهم تنبع من ملء النّعمة والحقيقة الّتي مُنحت للكنيسة الكاثوليكيّة. فهذه الكنائس تربطها خيوط رفيعة بكنيستنا بالخلافة الرّسوليّة وسرّ الافخارستيا. فروح المسيح يستخدمها أيضًا كوسائط للخلاص.

3-2  تجاه الأديان الأخرى

          يؤكد البابا بولُس السّادس على الحوار مع الأديان غير المسيحيّة قائلاً: ” ولكننا لا نريد أن نقلل من احترامنا واعترافنا بالقيم الرّوحيّة والأخلاقيّة لمختلف الأديان غير المسيحيّة.

تؤكد الكنيسة على حقائق هامة قبل الدّخول في حوار مع الأديان الأخرى منها:

  • الإمكانيّة الحقيقيّة للخلاص بالمسيح وحده لكلِّ البشر.
  • ضرورة الكنيسة للخلاص.
  • الكنيسة أداة خلاص للبشريّة بأسرها، وليست أحدى الطرق الّتي تقود للخلاص.

 

إنَّ غير المسيحيين بقيمهم الصالحة المقدسة يمكنهم البلوغ إلى الخلاص ” إنَّ إرادة الله الخلاصيّة تشمل الّذين يعترفون بالخالق ولا سيما المسلمين منهم، الّذين ينتمون إلى إيمان إبراهيم ويعبدون معنا الله الواحد الرّحيم … أمّا الآخرون، الّذين يبحثون عن الله … فليسوا بعيدين عن الله لأنَّ الله ” يريد جميع النّاس يخلصون وإلى معرفة الحقّ  يُقبلون” (1تيم2: 4). فالعناية الإلهيّة لا تحرم الخلاص للذّين لم يبلغوا بعد الاعتراف الصحيح بالله بدون ذنب منهم، ولكنهم يجتهدون بفعل النّعمة أن يحيوا حياةً قويمةً.”

ما يفعله غير المسيحيين من خيرٍ وحقيقةٍ هو رباطهما ببشارة الإنجيل ” كلُّ ما يوجد عندهم من خيرٍ وحقيقةٍ فإنَّما تعتبره الكنيسة تمهيدًا للبشرى الصالحة وموهبة من لدن ذاك الّذي ينير كلّ إنسان لكي تكون له الحياة” (المجمع المسكوني الفاتيكاني الثّاني، نور الأمم، رقم1).

س  كيف يخلّص غير المسيحيين ؟

ج   نحن نؤمن بأنَّ المسيحيّة تملك الحقيقة المطلقة كاملةً في يسوع المسيح، أمّا باقي الأديان فتحمل ” قبسًا من شعاع الحقيقة الّتي تنير لجميع النّاس” (المجمع المسكوني الفاتيكاني الثّاني، تصريح عن علاقة الكنيسة بالدّيانات غير المسيحيّة، رقم2) فالرّوح من خلال هذا القبس يعمل بطرقٍ لا نعملها.

س  فما الفائدة إذن من الايمان والعماد، إذا كان الخلاص ممكنًا خارج المسيحيّة ؟

ج   الإيمان والعماد هما وزناتان مُعطاتان للكنيسة، فهما علامة الانتماء للكنيسة والاتحاد الكامل بالله الآب والابن والرّوح القدّس، لأنَّ المسيحيّة هي كمال الوحي في شخص يسوع المسيح، ولكن هذا لا ينفي عمل روح الله بطرقٍ يدركها الله فقط.