stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

إنسانية وتربوية

رسالة إلى الوالدين / ترجمة أشرف ناجح

873views

cardرسالة إلى الوالدين / ترجمة أشرف ناجح

عزائي الوالدين، أكتب إليكما[1]

     ترجمها عن الإيطالية: أشرف ناجح إبراهيم 

ألديكما وقتاً لتقرأا أيضاً هذه الرسالة؟ ألديكما دقيقة هدؤء واحدة لكى تشاركانني أحد همومي وتفكرا معي في أحد اقتراحاتي؟ مَن يدري كيف كان يومكما؟ فربما بعد ساعات مِن العمل غير السهل وغير الخالي مِن التوترات، قد واجهتما رحلة عودتكما إلى المنزل، والتي كانت بدورها رحلة طويلة ومستفزة أكثر مِن المعتاد بسب التوقفات الكثيرة أو بسبب التأخير أو بسبب أي ظرف طارئ؛ وأخيراً، فربما حالما دخلتما إلى المنزل قد التقيتما بنظر بنتكما المراهقة الساخط بسب عدم إعطائكما الإذن لها للقيام بعملٍ ما أو قد التقيتما باضطراب طفلكما الأصغر سناً بسبب شقوته وإقباله المحبط على إنهاء واجباته المنزلية؟ 

وها أنا أجرؤ أيضاً على إزعاجكما…!

ينبغي أنْ تصدقا أنْ ما يدفعونني إلى كتابة هذه الرسالة إنما هو بالضبط شعوري المرهف نحوكما واهتمامي بأسرتكما ورغبتي في أن أعبِّر لكما مرة أخرى عن قربي وتقديري لواجبكما التكويني الشيق وأحياناً الشاق. أكتب لكما لكي أشارككما في أحد همومي؛ فيبدو لي أنني أرى نوعاً مِن التيه والحيرة في العديد مِن الأولاد والشباب فيما يتعلّق بمستقبلهم، وكأنه لم يخبرهم أحدٌ قط بأنَّ حياتهم ليست محض صدفة أو خطراً، وإنما هي دعوة!

وهكذا أود أنْ أحدثكما عن دعوة أبنائكما وأنْ أدعوكما أنْ تفتحا أمامهم آفاق الرجاء! ففي الواقع، أولادكما الذين تحبونهما كثيراً، هم محبون أولاً وقبلكما بحبٍّ لا حدود له مِن قِبل الله الآب؛ ولذلك فهم مدعون إلى الحياة، إلى السعادة التي يعلنها الرّبُّ في إنجيله! فإنَّ الحديث حول الدعوة يبغي إذن إلى عرض الطريق الذي يؤدي بنا إلى الفرح، لأن هذا هو مشروع الله لكل واحد منا: أنْ يصبح سعيداً!

لا يجب أنْ تخافا إذن: فالرّبّ يدعونا فقط لكي يجعلنا سعداء! ولهذا السبب عينه أجرؤ على إزعاجكما. فإنَّ سعادتكما وسعادة أولادكما تهمني وتشغلني. ولذلك تهمني كل اختيارات الحياة الممكنة: الزواج، والحياة المكرسة، والتكريس للقيام بخدمة الكاهن والشماس، واعتناق الوظيفة كرسالة…فكل هذا يمكن أنْ يكون أسلوباً لعيش الدعوة المسيحية إذا كان بدافع الحب وليس الأنانية، وإذا كان يستوجب تكريساً نهائياً، وإذا كان المعيار ونمط الحياة اليومية هما ما يعلّم به الإنجيل!

أكتب إليكما إذن لكي أقول لكما بأيّ شعور مرهف أنا قريب منكما وأشارككما في اهتمامكما بأولادكما حتى لا تُفقد حياة أولادكما التي تحبونها جداً! 

·       العائلة هي دعوة

إنَّ الدعوة الأولى التي أريد أنْ أحدثكما عنها هي دعوتكما أنتما، أعني دعوة أنْ تكون زوج وأنْ تكوني زوجة، أنْ تكون أب وأنْ تكوني أم.

ولذلك فإنَّ أولى كلماتي التي أوجهها لكما هي بالتحديد أنْ أدعوكما أنْ تعتنيا بحبكما المتبادل كزوج وكزوجة: ففي وسط العديد من الأمور الضرورية، وفي وسط الكثير من الإلحاحات التي تحاصركما من كل ناحية، يبدو لى أنه من الضروري أنْ تحتفظا ببعضٍ من الوقت وأنْ تدافعا عن بعضٍ من المساحة وأنْ تحددا بضع اللحظات لتصبح طقساً للاحتفال بالحب الذي يجمعكما. 

إنَّ خمول الحياة وحماقاتها ومللها، والاستنزاف الناجم عن التعايش معاً، وكون كل واحد منكما يصبح عاجلاً أو آجلاً خيبة أمل بالنسبة للأخر عندما تظهر وتتجمد عيوب وقبحات كل واحد منكما، كل هذا يؤدي بكما إلى نسيان بركة حبكما المتبادل ومعايشتكما معاً وبركة إنجاب أولاد في العالم وتمهيدهم إلى الحياة. 

إنَّ الحبّ الذي أغوكما على الإقدام على الزواج لا يمكن اختزاله في إحساس خاص بزمنٍ كان نوعاً ما مرحاً، وليس هو أيضاً مجرد انجذاب يخمد مع الزمن. إنَّ الحب الزوجي عينه هو دعوتكما: ففي حبكما المتبادل يمكنكما أنْ تكتشفا دعوة الله لكما. فالزواج ليس مجرد قرار رجل وامرأة، وإنما هو النعمة التي تستهوي شخصين ناضجين، واعيين، سعيدين، على إعطاء وجه نهائي لحريتهما الخاصة. إنَّ وجه شخصين يحب أحدهما الأخر يوحي بشيء من سر الله. أود إذن أنْ أدعوكما أنْ تحافظا على جمال حبكما وأنْ تثابرا في دعوتكما، مما ينجم عنه مفهوم للحياة يشجع على الأمانة الزوجية، ويحث على تحمل التجارب وخيبات الأمل، ويساعد على تخطي الأزمات الوقتية بدون اعتبارها غير قابلة للإصلاح.   

إنَّ مَن يحيا زواجه كدعوة يعترف ويبشر بإيمانه. فلا يتعلق الأمر هنا بمجرد علاقات إنسانية والتي بدورها يمكن أنْ تصبح سبب سعادة أو عناء، إنما بقضاء الأيام باليقين مِن حضور الرب، مع الصبر المتضع في حمل الصليب كل يوم، مع الافتخار بتحمل_ بنعمة الله_ المسئولية. أجل، ليست دائماً الالتزامات الوظيفية والواجبات الأسرية وأحوال الصحة والمحيط الذي تعيشان فيه يساعدانكما أنْ تريا بوضوح جمال وعظمة دعوتكما. 

إنه مِن الضروري أنْ تواجها الخمول الناجم عن الحياة اليومية وأنْ ترغبا بإصرار في أوقات للحرية وللهدوء وللصلاة. أدعوكما إذن أنْ تصليا معاً_ وليكن هذا المساء، وغداً، ثم دائماً_ صلاة بسيطة لتعبرا فيها عن شكركما لله ولتطلبا منه البركة لكما ولأولادكما ولأصدقائكما ولرعيتكما الكنسيّة؛ وأنْ تصليا معاً أيضاً عدداً من المرات صلاة “السلام عليك يا مريم” مِن أجل جميع التطلعات وجميع المعانات التي ربما لا تستطيعان أنْ تخبرا بها أحدكما الأخر. أدعوكما إلى الاعتناء ببعض التواريخ الهامة وتمييزها عن غيرها بعلامة خاصة_ كزيارة أحد الأديرة أو كالاحتفال بالقداس في يوم الأجازة أو ككتابة رسالة لتعبرا فيها عن الكلمات التي تعرق الصوت­­_، فعلى سبيل المثال لا الحصر، مثل تاريخ زواجكما وأيام معمودية أولادكما وذكري وفاة أحد في أسرتكما. أدعوكما أنْ تجدا الوقت لتتحدثا فيه معاً بكل بساطة، بدون تحويل كل وجهة نظر إلى نكد، وكل اختلاف إلى عراك؛ إنما ليكن وقتاً للتحاور، لتبادل الأفكار، للاعتراف بالأخطاء وتقديم الاعتذار، للفرح معاً بالخير الذي تم إنجازه، وقتاً لقضاء عصر يوم الأحد في الحديث معاً بهدوء دون عجلة. وأدعوكما أيضاً للإنفراد بعضاً مِن الوقت، كل واحد منكما على حدى، فلحظات مِن الانعزال يمكنها أنْ تساعدكما في البقاء معاً بشكل أفضل وأكثر اختياريا. 

أدعوكما أنْ تثقا في مداخلاتكما مع أبناءكما أثناء عملكما التربوي، فكثيرون مِن الوالدين يصبون باليأس بسبب انطباعهم بعدم قابلية وعدم استجابة أبناءهم الذين بدورهم يزعمون أموراً كثيرة ويرفضون أي تدخّل في صداقاتهم وفي مواعيدهم وفي عالمهم. 

إنَّ دعوتكم المتعلقة بتربية أولادكما هي دعوة مباركة من قبل الرب؛ فلذلك حولا مخاوفكما إلى صلاة، إلى تأمل، إلى تحدٍّ هادئ. إنَّ التربية مثل الزرع؛ فالثمر ليس مضموناً ولا مباشراً، ولكن بدون إلقاء البذور لا يمكن بالتأكيد حصاد شيئاً. إنَّ عمل التربية هو نعمة يمنحها لكما الرب، فاقبلا إياها بالشعور بالعرفان وبالإحساس بالمسئولية؛ تارة تتطلب منكما الصبر والتساهل المحب، وطوراً تتطلب منكما الحزم والتصميم. فأحياناً، يحدث في أسرتكم، أنْ تتجادلوا وأنْ تذهبوا إلى النوم بدون أنْ تسلموا على بعض؛ فلا تفقدا الأمل عندئذٍ، فليس ثمة شيء غير قابل للإصلاح لمن يترك نفسه تحت قيادة روح الله. وسلما بشكل مستديم أولادكما تحت حماية مريم العذراء، فلا تهملا صلاة المسبحة المقدسة مِن أجل كل واحد منهم؛ ثقا ولا تفقدا تقديركما لأنفسكما ولأولادكم. فإنَّ عملكما التربوي يعني أنْ تصبحا مشاركان لله في أنْ يحقق كل ابن مِن أبناءكما دعوته. 

·       المساهمة في فرح الأبناء

إنَّ الفرح الذي تتمنياه لكما ولأولادكما هو عطية عجيبة مِن لدن الله؛ يصل إلينا كضوء مصاحب للنجوم وكموسيقة مرحة وكابتسامة وجه مرغوب فيه. إنَّ المساهمة التي يمكن أنْ يقدمها الوالدان لبلوغ أولادهما إلى الفرح هي التربية المسيحية. 

إنَّ التربية لا تعني عملية آلية تحجِّم الشخص، إنما هي مرافقة لحرية شابة حتى _إذا جاز التعبير_ تصل إلى الكمال في الحب. التربية إذن هي خدمة متضعة، وربما تواجه الفشل؛ ولكنها هي أيضاً مجازفة خارقة العادة بواسطتها يمكن للرجل وللمرأة أنْ يفرحا فرحاً عميقاً يفوق الوصف.

إنَّ التربية المسيحية هي العمل الصابر المتين الذي يعدّ الأرضية لاستقبال عطية الفرح مِن لدن الله. ففي الواقع ضوء النجوم لا يمكن رؤيته إذا كان لمعان الأضواء العامة المقتحم يخفي الليل، والموسيقى المرحة لا تعم المكان بالبهجة  إذا كان صخب الضوضاء يصمّ الأذن، وليس هناك وقت لوجه مألوف عندما يثور شعب هائج. فلتهيئة الجو للفرح لا بد إذن مِن التطهير وهو بدوره لا يخلو مِن المعانات. ولذلك أريد أنْ أُلمّح إلى بعض التطهيرات التي تبدو لى ضرورية في أيامنا الحالية.

?    تطهير الميول: وهو يعني تمهيد الشخص إلى الفرح المحجوب عمَن يتخيل العلاقات بين الرجل والمرأة كطريق لاختزال الأخر في مجرد وسيلة مِن أجل إشباعه وراحته الشخصية؛ فالميول بذلك تتدنى إلى مستوى الهوى والامتلاك والانغماس في الشهوات الحسية. إنَّ روح الخدمة والاستعداد للتضحية يمهدان الشخص إلى الفرح الذي يسعد لرؤية الآخرين سعداء وللمبادرات التي تسير بشكل جيد وللجماعات المنظمة الحيوية. إنه فرح محجوب عمَن يتكاسل في حسم الأمر. كم يؤسف قلبي حقاً عندما أفكر في إهدار الوقت والخامات الشابة الفاتنة والذكاء والمال الذي أراه يحدث في الكثير مِن صداقات أولادنا. كم نحن في حاجة إلى اتخاذ موقف ضد الخمول وضد فقدان الرغبة في تأسيس حياة فرحة!

?    التطهير مِن الخوف من المستقبل: إنه أمر هام مِن أجل التمهيد إلى الفرح النابع مِن “الاختيار النهائي الحاسم”. إنَّ الحياة تكتمل عندما تتحدد في شكل ما مِن التخصيص؛ فإنَّ الاختيار النهائي ينبغي أنْ يُرغب فيه كالطريق للسلام وكالمدخل لسن البلوغ ومسئولياته. ليبارك الله كل الوالدين الذين مِن خلال أمانتهما الزوجية لحبهما المتبادل يعلمان أولادهما أنَّ “الاختيار النهائي الحاسم” هو نعمة، وليس خطراً يجب الخوف منه ولا تحجيماً للحرية ينبغي تأجيله على قدر الإمكان. فإنه، على العكس، لأمر خطير وباعث على القلق هو “الاختيار غير الدائم” و”الاختيار الوقتي” و”الحيرة” التي تترك الشاب ساكناً بلا حراك ولا اختيار في الحياة، متشككاً في هويته ومرتعباً مِن المستقبل.                      

·       التكوين على الانتماء للكنيسة

أنتما أيها الوالدين تشعران بالمسئولية لتدبير مسبقاً الفرح لأولادكما؛ أنتما مستعدان أنْ تهبا الكثير، وأحياناً أكثر مِن المفروض: “المهم أنْ يكون ابنكما سعيداً”. وهذا بدوره يصبح باعثاً على الاضطراب والإحساس بالذنب والإحباط عندما لا تقدران أنْ تنالا مِن أولادكما الذين يقبلون ويشاركونكما في توجيهاتكما ما ترغبانه، وعندما تظهر لكما غير عملية تلك الاقتراحات التي تبدو شديد الوضوح بالنسبة للكهنة وللمعلمين ولذوي الخبرة الذين يكتبون في الجرائد.    

أظن أنه مِن الحكمة عدم اعتبار الوالدين السبب في كل الأخطاء وفي تعاسة أولادهما، وعدم اعتبارهما المسئولين عن كل تعاسة بعض الشبيبة المسرفة في عدم الحسم أو في الانتهاك. إنه أمر مبالغ فيه أنْ يشعران الأب والأم بأنهما مذنبان في كل شيء؛ إنما أكثر تعقلاً وأكثر إطمئناناً توزيع المسئولية داخل جماعة. فعندما أحضرتما طفلكما إلى الكنيسة لتطلبا تعميده، قد أعلنتما إيمانكما بالآب الذي في السموات وقراركما بأنْ ينمو ابنكما في الجماعة المسيحية. 

أعتقد أنها نتيجة منطقية مطابقة لاختياركما لطلب المعمودية لأبنائكما هي عمل تكويني يسعى بأنْ يدخله في الجماعة المسيحية، ويحثه على المشاركة؛ ويهتم أيضاً بأنْ يخلق الوعي في الأولاد والشباب بضرورة الانتماء إلى الجماعة المسيحية التي فيها يتكوّن في الإيمان والصلاة والسؤال المتعلّق بالمستقبل. إنَّ العائلة التي تعزل نفسها وتدافع عن راحتها الشخصية، متهرباً مِن مواعيد الاجتماعات الكنسية، تظهر في النهاية بأنها عائلة ضعيفة، وتفتح الأبواب إلى حياة الحيرة والتيه أمام شباب العائلة الذين بدورهم يذهبون هنا وهناك، ويمرون بالعديد مِن الخبرات المتناقضة فيما بينها، بدون التغذي بأي طعام قوي. 

إنَّ الالتحاق بجماعة مسيحية ما ربما يحتاج إلى بعض التعب ولا يخلو مِن بعض التضحيات. إنَّ فكري يأخذني إلى العائلات التي غيّرت محل سكنها ويشعرون بالضياع في الحارات الجديدة، وفكري يذهب بي إلى العائلات التي تألمت من جراء سؤ الفهم، وإلى العائلات التي يستهويها الذهاب إلى أماكن متعددة لرؤيا الناس أو لممارسة رياضة معينة أو ليستنشقوا بعضاً من الهواء النقي. فها قد جاء الوقت لتختارا الأولويات. إنَّ مستقبل أولادكما يحتاج إلى اختيارات تعبّر بوضوح عما هو الأكثر أهمية بالنسبة لكما؟

إنَّ التمسك بقداس يوم الأحد يمهّد إلى عقلية إيمانية تؤمن بأنه بدون الرّبّ لا يمكن عمل أيّ شيء صالح. لذلك فالمواظبة على قداس يوم الأحد في رعيتكما والمشاركة في احتفالات جماعتكما المسيحية والالتزام ببعض المسئوليات والاهتمام بأنَّ أبناءكما يواظبون على مدارس الأحد والتعليم المسيحي والالتزامات والمبادرات الشبابية في الرعية، كل هذه يمثّل شكلاً مِن أشكال تفضيل هذا النوع مِن الانتماء الكنسي، والذي بدوره يعطي صلابة ويقود تدريجياً إلى الأخذ على عاتقهم الجماعة المسيحية التي ينتمون إليها؛ وهذا كله بدوره يمكن أنْ يتطوّر إلى دعوة ما لخدمة هذه الجماعة.                        

·       تقدير حياة الكهنة

يحدث معي أحياناً أنْ ألمح في عيون الوالدين نوعاً مِن الخوف والجزع، لمجرد ظنهم بأنَّ ابنهما يمكنه أنْ يتجه نحو خدمة الكهنوت. وحتى والداي الإكليريكيين، هم أيضاً يجعلونني أشعر بقلقهم وكأنهم يسألونني: إذا ولدنا أصبح كاهناً، أي نوع مِن الحياة ينتظره؟ أسوف يكون سعيداً؟ هل سيكون وحيداً؟

أرغب في الرد على هذه التساؤلات بالقول: إنَّ حياة الكاهن، في أيامنا هذه وغداً، وكما بالأمس، هي حياة مسيحية؛ لذلك مَن يرغب في أنْ يكون كاهناً رائعاً عليه أنْ يحمل صليبه كل يوم_ كما تفعلان أنتما أيضاً_ بتكريسٍ لن يكافئ بالاعتراف به وبالنتائج، وبتحملٍ للمسئولية الذي يواجه بالنقد وعدم الفهم، وبكمٍّ مِن الالتزامات والتطلعات التي ستكون أحياناً مضنية. ومع ذلك، كما يبدو لي، فإنه لا يوضع في الاعتبار بشكلٍ كافٍ ما يجعل حياة الكاهن جميلة وفرحة بشكل لا مثيل له. 

 

?    الكاهن في الواقع يحيا في شبكة علاقات: فهو يكرّس وقته للأشخاص. فهو لا يعتني بالأشياء وبالأوراق وبالأموال إلا بطريقة عرضية. إنه يقضي وقته في مقابة الناس: الأطفال والمتقدمين في السن، الشباب والبالغين، الأصحاء والمرضى، مَن يحبونه ويساعدونه ومَن ينتقدونه ويسخرون منه ويدّعون عليه. إنها خبرة إنسانية فريدة. وهو يقابل الأشخاص لا مِن أجل الحصول منهم على بعض المصالح، وإنما للاعتناء بهم وبدعوتهم وبفرحهم وبكونهم أبناء الله. وغالباً ما يفتح الأشخاص قلوبهم إلى الكاهن مدفعين بنوع مِن الثقة لا يوجد لها نظير في العلاقات البشرية؛ وبواسطة هذه الثقة تُلقى بزور كلمة الله [أي يسوع المسيح] الذي يخبر الإنسان بالحقيقة، والذي يفتح الآفاق نحو الرجاء الأبدي، والذي يشفي من خلال الغفران. 

?    الكاهن يحيا حرية فريدة: فهو قد سلّم ذاته للكنيسة؛ ولذلك_ وإذا كان يعيش وفقاً لما تقضيه دعوته_ ليس لديه أي مخاوف فيما يتعلق بمستقبله، ولا يلتصق بالأشياء، ولا يتلهّف في البحث عن الغنى. فالكاهن يحتفل مِن أجل نفسه ومِن أجل الشعب أسرار الخلاص: فالأسرار هي مِن صنع يديه، وهي ليست كالمنتجات الزائلة ولا كالثروات المهددة بالمصير غير الثابت كباقي الأمور البشرية. فباحتفاله بالأسرار المقدسة يقدِّم للشعب النعمة للدخول في الحياة الأبدية وفي الشركة مع يسوع. 

أظن أنه مِن الملائم والمناسب أنْ تتذكرا كل ما يجعل حياة الكاهن حياة عظيمة وجميلة، لكي لا يطمس تفخيم المتاعب والوقوف عند الصعوبات حقيقة هذا الشكل المضيء للحياة المسيحية. وأعتقد أنَّ الأب والأم يستطيعان إدراك_ بغض النظر عن نقاط الاتفاق وعن ردات الفعل العاطفية_ كم هي نعمة عظيمة عطية الكهنوت؛ ولذلك يمكنهما أنْ يتراقصا مِن الفرح عندما يشعر أحد أبناءهما بانجذاب نحو هذا الطريق. وأؤكد لكما أنه لن يغيب عنه الفرح إذا صار كاهناً رائعاً. 

على كل حالٍ، إنَّ الحديث بطريقة سيئة عن الكهنة واعتبارهما المسئولين عما لا يسير جيداً في الجماعات المسيحية، لا يمكن بالطبع أنْ يحسِّن مِن الأمور شيئاً، ولا يمكن بالأحرى أنَّ يشجع الشاب في الإقدام ليأخذ على عاتقه خدمة ضرورية جداً للكنيسة وجميلة للغاية لمن يحياها جيداً، أعني الكهنوت.  

·       الصلاة مِن أجل الدعوات 

إنَّ الجمال المسيحي المصاحب لحياة كاهن رائع والنعمة العجيبة التي يمثّلها كاهن قديس بالنسبة لجماعة المؤمنين ينبغيان أنْ يحثيا الجميع على الصلاة حتى لا يغيب الكهنة عن جماعاتنا المسيحية. إنَّ الصلاة مِن أجل الدعوات الكهنوتية ينبغي أنْ تكون شاغل كل جماعة المؤمنين. أدعوكما أنتما أيضاً أنْ تصليا في بيتكما وأنْ تقترحا هذه النية أيضاً على أبناءكما طاعة لقول الرب: «الحَصادُ كثيرٌ ولكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون، فاسأَلوا رَبَّ الحَصَاد أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه» (لوقا 10/2). 

وكم كتبتُ إلى الكهنة بمناسبة عيد القديس كارلو: هذه الصلاة ليست نوعاً مِن تفويض الأمر إلى الرّبّ حتى يقوم بعمل ما لا يقدر عمله معنا؛ إنما هي بالأحرى نوع مِن تسليم الذات العاقل والحرّ لقيادة الرّوح القدس، والذي يصبح بدوره الاستعداد لإتمام أعمال الله. ولذلك فإنَّ الصلاة مِن أجل الدعوات ينبغي أنْ تُمارس بشكلٍ مكثّفٍ مِن قِبْل مَن هم في سن وشروط اختيار حال حياتهم [الزواج، الكهنوت، الحياة الرهبانية]. وأودّ أنْ يعي كل مراهق أو شاب أنَّ حقيقة الصلاة مِن أجل الدعوات تبلغ مرجاها عندما يتردد في أعماقه صدى صلاة إشعياء النبي: «هأنذا، فأرسلني» (إش6/8)                              

——————————————————————————-

[1]  هذا المقال عبارة عن ترجمة لرسالة يكتبها الكاردينال كارلو ماريا مارتيني، رئيس أساقفة ميلانو سابقاً (1979- 2002)؛ ويوجِّهها إلى كل الوالدين. وقد أُخذ هذا المقال مِن المجلة الأسبوعية “La famiglia cristiana” التي تصدر باللغة الإيطالية، عدد 27 لعام 2002.