stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أدبية

كل يوم كيف نعيش سر التوبة في حياتنا الكهنوتية؟- الأب رمزي نعمة

901views

images16كل يوم كيف نعيش سر التوبة في حياتنا الكهنوتية؟- الأب رمزي نعمة

الصفات الأساسية لممارسة سر التوبة 
على كل كاهن أن يكون عطشاناً وجائعاً إلى المخلص الذي اختاره. وإن كانت الخبرة في هذا المجال “مرّة” لكونه هو أيضاً ككل إنسان ضعيف ومحدود لكونه لا يستطيع أن يعمل كل ما يريد ولا يريد جدياً كل ما عليه أن يعمل. فهذا التوتر القائم بين ما هو عليه وما هو مدعو ليكون، بين المثال الذي يتوق إليه والواقع الذي يعيشه، هذا التوتر قادر على أن يوقظ فيه طاقات غير متوقعة. فهذه الطاقات تعمل بقوة الروح القدس على إنضاج الضمير وتساعد على بدء مسيرة العودة للوحدة مع الله والقريب. ولكي تكون هذه المسيرة مجدية، لابد من بعض الصفات الأساسية لهذه الممارسة وأكتفي هنا ببعض منها. 
1- ممارسة شخصية متواترة وواعية ترددت مراراً مثل هذه العبارات وهذه المعاني في نصوص الوثائق الكنسية السابق ذكرها. فما المقصود بها؟ وماذا تعني بالنسبة لنا نحن الكهنة؟ 
 أ- ممارسة شخصية واعية إن كانت الممارسة الشخصية والواعية ضرورية لكل إنسان فهي أحرى بالكاهن لأنه محاط بالقدسيات أكثر من أي إنسان. فممارسة سر التوبة ممارسة شخصية وواعية تعني قبوله بخشوع وإيمان وليس بصورة آلية وكأنه واجب مزعج فُرض علينا ويجب القيام به بأية طريقة كانت. إن ممارسة كهذه سوف تتحول إلى عمل روتيني ولن تعطي الثمار المرجوة. لابد لتناقص عدد المتقدمين من سر التوبة أن يحثنا على فتح أعيننا نحن الكهنة على هذا الواقع. فلربما يشير هذا الواقع إلى عدد المتقدمين من هذا السر لا عدد الذين نالوا السر فعلاً. من المحتمل أن الأكثرية لم تكن واعية لمتطلبات سر التوبة. وأحياناً ومراراً كان يلجأ المؤمن إلى السر ليخدر ضميره ويسكته، أو لأنه يجد في هذه الممارسة حلاً سهلاً للتخلص من الخطايا… ولذا فإن اللجوء إلى السر يعتبر بالنسبة للعديدين أكثر أهمية من التخلي عن الخطيئة بالذات، والسبب يعود إلى البحث عن الحل الأسهل.
ونحن أيضاً معرضون كغيرنا للبحث عن الحلو السهلة. ومن هنا فمن المحتمل أن يكون السبب الرئيسي في تناقص عدد المتقدمين إلى سر التوبة هو عدم وضوح الربط القائم بين سر التوبة وواقع الحياة والالتزام الراعوي والاجتماعي. وعلينا ألا نكتفي بتحويل السر إلى نظام مستقل يريح الضمير فردياً، دون الذهاب إلى عمق المشكلة التي تكمن في الاهتداء الداخلي، اهتداء القلب والعقل لكي يصبح إنساناً جديداً وأداة مصالحة في بيئتنا وديرنا ومدرستنا ورعيتنا وكنيستنا والعالم بأسره. فبالإضافة إلى الحسّ بالخطيئة، تقود الممارسة الشخصية الواعية إلى اهتداء القلب والعقل. – اهتداء القلب واهتداء العقل يتكلم قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي حول “وظائف العائلة المسيحية في عالم اليوم” عن الارتداد التدريجي، الذي لن يتحقق إلا باهتداء العقل والقلب: “علينا جميعاً أن نقاوم الظلم الناشيء عن الخطيئة- التي تسربت إلى أعماق بني العالم اليوم- …،
وذلك بالاعتماد على ارتداد العقل والقلب،… ولا يمكن لمثل الارتداد إذ ذاك إلا أن يكون له أثره التجديدي المفيد حتى في بناء المجتمع” (9) ومن المناسب توضيح المقصود بعبارة اهتداء (ارتداد) القلب واهتداء (ارتداد) العقل، لكي لا يساء فهمها فنتوقف عند العبارة وننسى المضمون: اهتداء القلب   يجب ألا تؤخذ كلمة “قلب” بالمعنى الكتابي، حيث يشير القلب إلى الإنسان بكليته. إنما المقصود بهذه العبارة التوبة الذاتية (subjective) أي تلك التي يعمل بها بنية طيبة وتلك التي تتوقف على التوبة عن الخطيئة ذاتها وليس عن جذورها. اهتداء العقل المقصود بهذا التعبير التوبة الموضوعية (objective) أي تلك التي لا تتوقف على العواطف والأمنيات الطيبة، بل تذهب إلى أعمق من ذلك، إلى الالتزام المحسوس الملموس، الطابق للشريعة الوضعية. تقابل كلمة “توبة” العربية الكلمة اللاتينية (paenitentie) والكلمة اليونانية (metanoia) أي الندم والاهتداء. نفهم أن “سر التوبة” يعني “سرّ” أي أداة علامة وإشارة اهتداء، لذا لا معنى لسر التوبة إن لم يكن مرفقاً بالاهتداء كما أنه لا معنى للرمز دون الواقع الذي يرمز إليه. ومن هنا تأتي أهمية تعميق فكرة الاهتداء وتغيير العقلية كشرط أولي للمصالحة مع القريب وللعيش فعلاً بطريقة إنجيلية حياة المسيحية. نلاحظ منذ الصفحات الأولى للكتاب المقدس ابتعاد الإنسان عن الله، وما تبع هذه الخطوة من انفصال بين الأشخاص والشعوب. وما تاريخ الخلاص إلى سلسلة من الأعمال التي صنعها الله حباً بالإنسان ليعيده إلى الحالة الأولى من الصداقة معه. كانت المحاولة الأولى للعودة من خلال الشريعة المعطاة على جبل سيناء، “وصايا الله العشر” إلا أن النتائج لم تكن مرضية. حاول الأنبياء بث فكرة الارتداد بعبارات تشير إلى أن روح الله يحول الإنسان من الداخل بتغيير قلبه (أرميا 31:31-34. حزقيال 26:26). وجاء السيد المسيح منادياً “توبوا وأمنوا بالإنجيل” إن بشارة المسيح للتوبة هي صدى لدعوة الأنبياء للعودة، إنها دعوة ملحة لتغيير القلب والعقل وإعادة توجيه الحياة نحو إله “المحبة”. إنه تحول جذري لتغيير العقلية نتيجة تقبل البشرى الجديدة التي تفتح القلب للمسيح والقريب. من كل ما سبق نفهم أن التوبة لا تعني مجرد التعرف على الخطيئة أو الاعتراف بكوننا خطأة أو الندم على خطأ سبق أن اقترفناه. عندما نقول اهتداء نشير إلى المستقبل أكثر منه إلى الماضي،
إنه ليس اهتداء عن إنما اهتداء إلى. ليس قبول سر الاعتراف حدثاً من أجل المشاركة في احتفال ديني معين أو تذكرة تخولنا إقامة الأسرار المقدسة ولا مجرد أمانة لوصيّة كنسية معينة. كما إنه لا يعني بالضبط راحة نفسية، إنه أكثر من ذلك، إنه خيار جذري ومستمر يعطي معناً جديداً لحياتنا فيحررنا من الماضي ويفتح آفاقنا للمستقبل، إنه تحدّ. إذا كان اهتداء القلب يعمل من الشخص قدّيساً فإن اهتداء العقلية “تغير العقلية” هو الذي يجعل منه مسيحياً فعلياً لا شكّ أنه يوجد قدّيسون غير مسيحيين على سبيل المثال قدّيسو العهد القديم، وكما يوجد اليوم في مختلف الديانات غير المسيحية، قديسون هؤلاء الذين يعملون “بنية طيبة” كل ما يعتقدون بأن الله يطلبه منهم وإن كانوا فعلياً وموضوعياً objectivement على خطأ. يكفي أن نتذكر، على سبيل المثال، ما حدث مع “يفتاح” حينما قدّم ابنته ذبيحة محرقة (قضاة 29:11-39) وبولس الرسول الذي، قبل اهتدائه إلى المسيحية، كان يظن أنه يعمل خيراً بزج المسيحيين في السجن. وبهذا المعنى تفهم قول السيّد المسيح: “تأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يؤدي لله عبادة” (يوحنا 2:16-3). فإن لم يكن هناك اهتداء عقلية، سوف يحصل كما حصل في الماضي انشقاقات داخل الكنيسة الواحدة والجماعة الواحدة والإيبارشية الواحدة (رومية 2:10)

إن القدّيس الذي لم يجتهد بعد في تغيير عقليته يصعب عليه قبول شخص يخالفه عقليّته، ويصبح من الأصعب عليه تمييز الخطيئة من الإنسان الذي يُخطيء. ولذا فإنه معرّض بصورة مستمرة لمخالفة الوصية الإلهية التي نادى بها المسيح يسوع “لا تحكموا على أحد”. إن القديس المسيحي هو ذلك الذي اهتدى بعقليّته والذي يضع القداسة في المحبة (نور الأمم42). إنه لا يتصرّف بصدق النية فحسب، بل بضمير صادق، أي بانسجام مع شريعة الله ومحبة القريب (1بطرس 8:4). القدّيس المسيحي هو الذي لا يدّعي بأنه يملك الحقيقة بل يتغذى من الحقيقة، من كلمة الله. فالقدّيس بهذا المعنى هو المتواضع والذي لا يحكم على أحد (مت1:7) والذي يحاول أن يفهم ويعظ ويحاور. فبدون اهتداء العقلية نحن أيضاً معرّضون ولو “بنيّة طيبة” للاكتفاء بنوع من القداسة، فنكتفي أيضاً بإعطاء المؤمنين نوعاً من العبادات، بينما هو جائع إلى الإله الحق الواحد (يوحنا 3:17).
هذا النوع من التدين لا فائدة منه، لأنه عقيم ولا يتحول إلى حياة، لا يوجد فيه ما يسمى بأل “Transfar”.يقود الاهتداء الحقيقي إلى المصالحة. عندما ينفصل الكاهن عن الله يبدأ كل شيء بالتفكك؛ كما أن كل شيء يعود إلى التماسك عندما يبدأ الكاهن بالعودة بصدق وإخلاص إلى الله. فبدون اهتداء عميق للقلب، وبدون اهتداء صادق للعقلية، وبدون الاهتداء الذي يقود إلى المصالحة، يبقى السرّ دون نمو.
مثل الكاهن الأمين نحو واجباته اليومية والأمين نحو سرّ التوبة إلاّ أنه يعيش في صراع مستمر مع الرؤساء والزملاء والرعيّة؛ فلا يحب شعبه ولا يحترمه وينعته بمختلف الصفات ويصنّفه حسب مزاجه. فإن تجاهل الكاهن الاعتراف بهذه الأمور فإنه كالمريض الذي ينشغل بمعالجة رشح بسيط متجاهلاً بأنه مرض بالسرطان. ليس الارتداد الداخلي مجرد أمنيات تستيقظ في قلوبنا بمناسبة عظة أو قداس أو رياضة روحية أو تأمل. طبعاً نشكر الله دائماً على الأمنيات الطيبة التي تولد في قلوبنا. ولكن الارتداد الداخلي هو التزام ملموس محسوس في حياتي. وما لم تتحول هذه الأمنيات إلى واقع محسوس في حياتي فإنها تظل أمنيات عاقر. يساعدنا هذا كله على أن نفهم أن ارتداد القلب بدون ارتداد العقلية لا يكفي فهو كالأمنيات التي لا تتحول إلى التزام ملموس. فمن يساعدنا على تحويل الأمنيات إلى التزام محسوس؟ من يساعدنا على فهم حقيقة تصرفنا والسبب العميق الذي يقودنا إلى أخذ هذا الموقف أو ذلك تجاه رئيس أو زميل أو مؤمن؟ الحس بالخطيئة الكاهن على مثال أي معمّد هو خاطيء فداه السيّد المسيح ومنحه نعمة المغفرة. نتكلّم في عصرنا مراراً عن فقدان معنى الخطيئة في العالم مما أدى إلى تناقص عدد المتقدّمين إلى سرّ التوبة… فهل لديّ ككاهن حسّ الخطيئة وهل أنا مقتنع بالخلل الذي تسببه الخطيئة في حياتي وفي العالم… فعبثاً أعترف وعبثاً أعظ من الخطيئة إذا لم يكن لديّ الحس أنا أولاً. موقف الجنود يعكس موقف القادة. وموقف المؤمنين يعكس موقف رعاتهم. ليس المقصود التركيز على الخطيئة بقدر ما يلزم التركيز على مغفرة الخطيئة. في قانون الإيمان نقول وأؤمن بمغفرة الخطايا. فيتجلّى السيّد المسيح فيّ من خلال مغفرة الخطايا. وما الحلة التي أنالها إلا إحياء لكهنوتي بكل كيانه. يعطي العهد الجديد الأهميّة للخاطيء وليس للخطيئة. ويقدّم لنا أمثلة لأناس خطأة. إنهم صورة لخطيئتنا نحن. وإن صورة بطرس الرسول التائب هي صورة كل كاهن يتوب: الخطيئة هي عدم الأمانة لرسالة معينة أوكلت إلينا. وبسقوط كاهن يسقط العديد معه وبنهوض كاهن ينهض العديد أيضاً. وما قيل لبطرس، يقال لكل واحد منا لدى توبته: “وأنت متى رجعت فثبت إخوتك” (لوقا 32:22). 
ب- ممارسة متواترة للتوبة منذ القرون الأولى وخاصة، لدى الرهبان في الصحاري، وفي الفترة نفسها التي بدأت فيها ممارسة سرّ التوبة بصورة فردية، وجدت عادة اللجوء إلى إنسان حكيم لهدف الاسترشاد الروحي. وكان لها غاية علاجيّة أي إصلاح النقائص ودفع الإنسان إلى الكمال. واتسعت هذه العادة واكتسحت ليس الأديرة الرهبانية فحسب بل المؤمنين الراغبين في تنمية حياتهم الروحية. وعندما بدأ ف القرن السابع الاعتراف الفردي، أصبح الاعتراف يشمل الخطايا العرضية بالإضافة إلى الخطايا المميتة. أمّا المجمع التريدنتيني فلقد أكّد على عدم ضرورة الاعتراف بالخطايا العرضية إلا أنه شجّع المؤمنين على الاعتراف بها واعتبارها هامة. فمنذ ذلك الحين أصبح اللجوء إلى الاعتراف المتواتر محوراً أساسياً للحياة الروحية. وإذا كان على أحد أن يلجأ إلى سرّ التوبة مراراً عديدة، فهو الكاهن. على ذلك تحرضه رسالته السامية. والوثائق الكنسية ومثال القديسين والكهنة الصالحين:

 من ناحية رسالته: إن الإعمال التي يقوم بها تقتضي أن يكون في حال النعمة. ألا يُقال وبحق “الكاهن مسيح آخر”؟

– من ناحية الوثائق الكنسية: شعوراً لأهمية الممارسة المتواترة لسرّ التوبة في حياة الكاهن الروحية وجّهت العديد من الوثائق نداءات متكررة إلى الكهنة حاثة إيّاهم على ذلك.

– من ناحية مثال القديسين: يعلمنا التاريخ بأن الكثير من القديسين كانوا يلجأون إلى السرّ بصورة متواترة. القديس أغناطيوس دي لويولا والقديس فرنسيس كسفاريوس والقديس شارل بوروميه كانوا يعترفون كلّ أسبوع. أما القديس فرنسيس دي سال فكان يعترف يومياً.لربما يتساءل البعض عن المقصود بـ “القبول المتواتر للسرّ” في أيامنا هذه. أي كم مرة علينا أن نلجأ إليه في الشهر لكي يُصبح متواتراً؟ ليست القضيّة موضوع عدد معيّن في الشهر أو الأسبوع فالأمر مربوط بمسئولية كل شخص وما يراه مناسباً لنموه الروحي. أما إذا كان لابدّ من ذكر حد أدنى فإني أعتقد أن ما يطلب من الرهبان والراهبات يناسب أيضاً الحياة الكهنوتية أي مرّة كل أسبوعين على الأقل: “إن لم أغسلك فليس لك نصيب معي” (يوحنا 8:13).إذا كنا، رغم اعترافاتنا المتواترة نجد أننا غير حاصلين على تلك النقاوة التي نرجوها، فكيف لو تركنا العنان لطبيعتنا لتسير مع تيار العالم المعاصر وموقفه من الاعتراف والخطيئة.يُصبح السرّ المتواتر هاماً في حياتنا إذا أشار إلى مرحلة هامة وجديدة في مسيرتنا الداخلية نحو الاندماج مع القيم الإنجيلية. وفي هذا المجال لابدّ من الإشارة إلى أهميّة إيجاد معرّف جيّد: والكاهن الذي يعرّف جيداً يُعرف جيداً (5).

2- حسن الاستعداد

أ- الاستعداد المباشر

لكي نقبل سرّ التوبة بصورة تساعدنا على النمو الروحي في حياتنا الكهنوتية، لابدّ أن نستعد لهذا السرّ استعداداً كافياً وجيداً. ليس المقصود هنا تحضير لائحة بالنقائص وإلاّ يتحوّل السرّ إلى مجرّد إقرار بها. علينا ألاّ نحوّل فحص الضمير إلى تمرين للذاكرة وجمع أكبر عدد ممكن من الخطايا والنقائص ونكتفي بذلك وننسى أن فحص الضمير هو مرحلة من السرّ نفسه ويجب أن نُظهر منذ تلك اللحظة كُره الخطيئة والعزم على ألاّ نعود إليها.

كما أن حُسن الاستعداد يعني بألاّ نكتفي بالحد الأدنى والضروري لكي يتمّ السرّ. لذا ليست الأفعال بحد ذاتها هي الأهم بل الاستعداد الروحي.

“تكون الندامة الحقة بالتخلّص الحقيقي والكياني من هذا الروح وهذا الموقف الذي وصلنا عملياً إلى العيش فيه، وبالتغلّب على الجمود الذي يبقينا أسرى الفتور”.

إنه من غير الممكن الوصول إلى هذه الحالة بمجرّد تحضير سريع لبضع دقائق حرصاً على وقتنا من الضياع أو لأنه يوم اعترافنا الشهري أو لأنه وبالصدفة التقينا بكاهن أو مررنا بالقرب من دير من أديرة الرهبان.. فنستغل الظروف حتى نسدد حساباً علينا ونقوم بمعاملة لابدّ منها فننعت “بالكاهن الفاضل”.

حُسن الاستعداد إذاً يعني أن نبدأ مسيرتنا بالصلاة والتأمل لكي نصل إلى تحريك ضميرنا الذي لا يمكن تحريكه بقوانا الشخصية والتخلّص من فتورنا الروحي. إن هذا الفتور، الذي هو سبب نعاسنا وعدم شعورنا بالجوع والعطش إلى أي شيء، ناجم مراراً عن نقص محبة أكثر منه عن ضعف بشري. ليس سرّ التوبة لحظة منفصلة عن الحياة. يجب أن تكون لحظة اللجوء إلى سرّ التوبة نقطة وصول ونقطة انطلاق. نقطة وصول: أي تشير إلى وجود فترة سابقة بدأنا فيها مسيرة التوبة لنصل إلى نقطة معيّنة. ونقطة انطلاق: تشير إلى أن المسيرة مازالت مستمرة ويجب ألا تتوقف أبداً. وهذا الواقع يذكّرنا بحادثة الفتى الذي اقتحم السماء. الفتى ميشيل غريكوئتس الذي أراد يوماً أن يصل إلى السماء. وإذ كان يظن أنه ليس بالبعيد أخذ يتسلّق الجبل وكلما وصل إلى قمة لاحظ أن السماء فرّت إلى قمة أعلى. ومع ذلك لا يتردد بالرغم من التعب، ها هو يحمل عصاه ويتابع المسيرة لأن الرغبة أقوى من التعب.

ب- فحص الضمير اليومي

إن محاسبة النفس من القواعد الأساسية في الحياة الروحية. وأول أسباب عمى القلب هو إهمال محاسبة النفس. وهذه المحاسبة لابدّ منها كل يوم، وهي تهدي إلى التوبة الحقيقية. إن إدراك الكاهن لنواقصه هو دليل الحرارة. وليس أسرع من اعتراض الفاتر إلى تبرير نفسه، وياليتنا نحكم نحن الكهنة على أنفسنا بالقساوة عينها التي نحكم بها على الناس. ومَن عرف كيف يُحاسب نفسه لا يصعب عليه أن يتبين ما يطلبه منه الله، على نور تأمّل الإنجيل والنظر في تصرّفه الرسولي. المهم أن تبقى فينا الطواعية الكافية لإلهامات الروح. وألاّ نجعل من عاداتنا وأساليبنا وميولنا قواعد منزلة. وإذا كنا نشكو من فتور المؤمنين وتمرّغهم حيث هم، في نواقصهم وميولهم ومقاصدهم البشرية، فلما لا نلحظ الاستمرار والخمول عينه فينا؟ ولِمَ لا نشدّد عزائمنا لإصلاح ذواتنا: “استيقظ أيها النائم فيضيء لك المسيح” (أفسس14:5).

ج- روح التوبة

لقد ذكر سينودس الأساقفة بـ “مركزية التوبة” في رسالة الإنجيل وحياة الرسل، إذ بدأ السيّد المسيح رسالته منادياً: “توبوا وآمنوا بالإنجيل”، “توبوا فقد اقترب ملكوت السموات”. وأكّد على ضرورة الاحتفال بهذا السرّ ضمن هذه الحقيقة وضمن هذا الواقع.

حتى نستطيع أن نعيش سرّ التوبة ونستفيد من نعمته، علينا أن نسأل أنفسنا هل لدينا روح التوبة. وما سرّ التوبة إلا لحظة من لحظات حياة التائب المستمرة. وإذا تجاهلنا روح التوبة أو انعدمت التوبة من حياتنا، فمن المستحيل إعطاء سرّ التوبة قيمته الأساسية. بما أن سرّ التوبة ما هو إلا تحقيق لروح التوبة، لابدّ لحياتنا الكهنوتية أن تعكس طابع التوبة في تقشف مستمر… (6) يُحيط حياتنا الكهنوتية سوء فهم مستمر، ولذلك فإن روح التوبة وحمل صليب يومي يساعدنا على تحمّل هذا الواقع.

لقد ركّز قداسة البابا بولس السادس في رسالته Paenitemini في 17 شباط 1966، عدد49، على أهمية التقشف في حياة المسيحي عامة وفي حياة الكاهن بصورة خاصة. ويدعوا إلى الارتداد الداخلي من خلال ممارسة أفعال توبة خارجية وطوعية: الأمانة المستمرة للواجب اليومي تقبل الصعوبات والمحن بصبر، احتمال الآلام بالمشاركة مع آلام المسيح. ويُتابع قداسته بقوله: “على الكهنة، وهم الذين لهم علاقة مميزة مع المسيح بحكم تكريسهم له، أن يمارسوا بصورة جديّة وكاملة فضيلة ووصية التوبة”.

ويؤكد قداسته على ضرورة الإماتة الجسدية بكون طبيعتنا ضعيفة. لأنه بعد خطيئة آدم أصبح للجسد ميول معاكسة لميول الروح، فالجسد يشتهي ما هو ضدّ الجسد والروح يشتهي ما هو ضد الجسد.

يقول المعلم ترتليانوس “حيث لا إصلاح فلا توبة صادقة”. كل إنسان، حتى الكاهن نفسه، يستثقل من أعمال التوبة. على أن المعلم الإلهي قد قال لكل البشر وللكهنة كما لغيرهم: “إن لم تتوبوا تهلكوا بأجمعكم” (لوقا 5:13). فلنجدد روح التوبة الحقيقية، ليبقى روحاً قوياً وذلك بممارسة أفعال التوبة ممارسة قلبية صادقة