stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أدبية

حياتنا في المسيح-فضيلة شجاعة-أب/رمزي نعمة

1.5kviews

tenaceحياتنا في المسيح-فضيلة شجاعة-أب/رمزي نعمة

تُطلق كلمة شجاعة على الطاقة الجسدية، وعلى القدرة في معاندة الخصم، والتغلّب عليه. فهي ميزة طبيعية، قد يكون متزيناً بها حتى الأشرار. أمّا الشجاعة التي نتكلّم عنها هنا، فهي فضيلة خلقية، يكتسبها الإنسان بالتمرّن على الصبر والتضحية، في سبيل تحقيق مشيئة الله. ومن شأن فضيلة الشجاعة أن تسيطر على الشعور بالخوف من المكاره، وأن تثبّت الإرادة في تحمّل المكاره والموت، وأن تحثّها على مقاومة الشر والظلم بالطرق المعقولة.

إن طريق الكمال هو “الطريق الضيّق”: «ما أضيق الباب وأحرج الطريق المؤدي إلى الحياة والذين يهتدون إليه قليلون» (مت 14:7). فلابد للسائرين فيه من شجاعة العزيمة وشجاعة القلب لاقتحام المصاعب التي تواجههم في حياتهم لدى قيامهم بواجباتهم.

أولاً: ما هي فضيلة الشجاعة وما أهميتها؟

1)    ما هي الشجاعة؟

الشجاعة فضيلة أدبية تميل بصاحبها إلى تحمّل المكاره والموت كلما اقتضى الأمر. إنها الفضيلة التي تبعث في المرء النشاط والإقدام؛ ولكنها أيضاً تنظّم قوة نشاطه واندفاعه، لئلا يحمله حماسه إلى الطيش والتهوّر. فالشجاعة هي قوة الإرادة في مواجهة الصعاب والتغلّب عليها. فإذا كانت الغاية من الشجاعة أرضية زمنية، كانت الشجاعة فضيلة أرضية طبيعية. أما إذا كانت الغاية منها إكرام الله أو القيام بواجب من أجل الخير العام أو الخير الروحي فتكون الشجاعة فضيلة فائقة الطبيعة.

لذا لا تعني الشجاعة الإقدام على صعاب الأمور فحسب بل هي الثبات في ذلك الإقدام والاستمرار على الصبر في الشدة. وإن احتمال الشدائد أعظم من الإقدام على اقتحامها لأنه يتطلب عزيمة أقوى. التصبّر لأصعب من المهاجمة والاقتحام حسب تعليم القديس توما الإكويني: Sustinere difficilius est quam aggredi.إن الاستشهاد أحياناً أسهل من الجهاد المتواصل في جو من الهزاء والافتراء وسوء الفهم والتهديدات ولكن من يثبت في مثل هذه الظروف يكون على أتمّ الاستعداد ليتقبّل الاستشهاد.

2)    ما أهمية الشجاعة؟

تأتي أهمية فضيلة الشجاعة بكونها الوسط بين نقيضين الخوف من جهة والتجرؤ من جهة أخرى. فهي الفضيلة التي تقوّي الإرادة لكي يضبط الانفعالات فيما يخصّ هاتين النزعتين: الخوف والتجرؤ. فدور الشجاعة هو تجاوز الخوف غير المعقول أمام شر يهدّد الإنسان، وضبط الفرد من المهاجمة غير المعقولة لشر قادم. وبما أن أعظم شرّ طبيعي هو أن يخسر الإنسان حياته، فإن فضيلة الشجاعة تقاوم مبدئياً الخوف من الموت.

إن من بين فعلي الشجاعة، تعتبر المقاومة والتحمّل أولهما وأكثرهما صعوبة. وخلافاً للرأي العام، فإن مقاومة عدو أو المعاناة من شر أكثر بطولة من الهجوم. ومن الناحية النفسية فإنه من الأسهل الهجوم على شر خصوصاً عندما تستثار نزعة الغضب. ولكن المعاناة من مرض أو الاضطهاد أو الموت بروح مطمئنة قوية يتطلب شجاعة الأبطال. ولهذا السبب صوّرت الدراما الإغريقية بطل المأساة كرجل عرف كيف يستقبل الموت ببطولة، وقد اعتبر المسيحيون دائماً الشهداء أمثلة رائعة للشجاعة المسيحية. وتقوم الشجاعة بنشاطها المزدوج بالهجوم على الشر ومقاومته بدور هام في الحياة الروحية. فهناك عقبات وصعوبات لا تُحصى يجب التغلب عليها في الطريق المؤدية إلى الكمال. ولكي ننجح في الوصول إلى هدفنا يجب علينا أن نبدأ بحزم الرحلة نحو الكمال، ولا يجب أن نفاجأ بحضور العدو، ويجب أن تكون عندنا الشجاعة للهجوم والفتح عندما يملي الفطنة ذلك، ويجب أن يكون عندنا الثبات والمثابرة للمضي قُدماً بدون الاستسلام إلى العدو. وحتى إذا قمنا بتقدّم كبير في الحياة الروحية وحققنا نصراً معنوياً على العدو، ستظل الشجاعة ضرورية لنتحمّل التجارب التي يسمح الله بها لاختبار وتقوية وصفاء الروح.

ثانياً: فروع فضيلة الشجاعة

1) الشهامة:

تميل هذه الفضيلة بالإنسان إلى إتمام فعل ما جدير بالتكريم. ولهذا فهي لا تنسجم مع الفتور، وبهذا المعنى هي فضيلة جديرة بأقصى مديح. وتفترض فضيلة الشهامة مُسبقاً النفس السامية النبيلة. وغالباً ما توصف أنها عظمة النفس أو نبل الخلق. فالأشخاص المتسمون بالشهامة هم نمط متفوّق من الأشخاص. فهم لا يحسدون ولا يُنافسون الآخرين ولا يعرون بالإحراج أمام فضائل الآخرين. فهم هادئون في أعمالهم؛ وهم لا يكرّسون أنفسهم لأنشطة عديدة ولكن فقط لتلك الأنشطة ذات الأهمية العظمى. وهم صادقون ومخلصون ومتحفّظون بعض التحفّظ في كلامهم، كما أنهم أصدقاء أوفياء. وهم لا يكذبون، وهم يُعبّرون عمّا في عقولهم غير مهتمين بآراء الآخرين. وهم صريحون وغير متحفظين وهم ليسو مُرائين. وهم موضوعيون في صداقتهم لذا لا يحوّلون أنظارهم عن نقائص أصدقائهم. وهم لا يبالغون في إعجابهم بالناس والآخرين، وليسوا مرتبطين بأي شيء. وهم ينظرون مبدئياً إلى الفضيلة ولما هو نبيل. أما العواطف الدنيئة والخلافات التي تسبّب الكثير من المصاعب في الحياة الاجتماعية فهي تعني شيئاً لهم. وإذا أضرّ بهم الآخرون فسرعان ما ينسون ويصفحون. ولا يبالغون في الشعور بالفرح عندما يمدحهم الآخرون أو يصفقون لهم، كما أنهم لا يحزنهم النقد الذي قد يتلقونه من الآخرين. وهم لا يتذمّرون لاحتياجهم إلى الأشياء، بل إنهم يتعلّمون على الاستغناء عنها. وتفترض هذه الفضيلة مُسبقاً وجود درجة عالية من الكمال في الفضائل الأخرى.

2) الصبر:

تمكننا فضيلة الصبر من تحمّل المعاناة الجسمية والمعنوية بدون حزن في الروح أو كآبة في القلب. إنها واحدة من أكثر الفضائل ضرورة في الحياة المسيحية، لأن المحن والمعاناة التي لابد منها في هذه الحياة، تتطلّب مساعدة بعض الفضائل لإبقائنا أقوياء أو حازمين، لئلا نخضع إلى الإحباط والحزن. ويفقد العديد من البشر استحقاق معاناتهم لأنهم يخفقون في ممارسة فضيلة الصبر. وفي الحقيقة فإنهم يقاسون أكثر من مقدرتهم لعدم تمكّنهم من الانسجام مع إرادة الله.

إن الحوافز الرئيسية لممارسة فضيلة الصبر هي كما يلي:

‌أ-  الانسجام مع إرادة الله المُحبّة، فهو الذي يعرف أحسن منّا الأشياء المفيدة لنا، ولهذا فهو يُرسل إلينا المعاناة والصعوبات.

‌ب- ذكرى معاناة يسوع ومريم، هما نموذجان من الصبر لا مثيل لهما، والرغبة المخلصة للاقتداء بهما.

‌ج-  ضرورة القيام بالتكفير عن خطايانا بالقبول الطوعي والفاضل للمعاناة تكفيراً عن خطايانا.‌

د-  ضرورة الاشتراك مع المسيح في تطبيق ثمرات الفداء، متحمّلين معاناتنا بالاتحاد مع معاناته لنتمّ ما نقص من آلامه (قول 24:1).

‌ه-  الأمل في أبدية من السعادة تنتظرنا إذا عرفنا كيف نعاني بالصبر فالمعاناة تزول، ولكن الثمرة الناتجة عن المعاناة لن تزول أبداً.

وكما هي الحال مع فضيلة التواضع هكذا هي الحال مع الصبر، حيث نميّز مراحل ودرجات مختلفة التي تعطينا بعض الدلالة على كمال الفضيلة عند الأفراد المسيحيين.

وهناك خمس درجات أساسية للصبر:‌

أ-     الاستسلام دون شكوى أو انعدام الصبر في تحمّلنا الصليب.

‌ب-السلام والهدوء في وجه المعاناة، بدون أي حزن أو كآبة اللذين يصاحبان الاستسلام السلبي.‌

ج-  أن يتقبّل الإنسان صليبه حباً بالله.

‌د-    الفرح الكبير الذي يدفع الإنسان بتقديم الشكر لله الذي يشترك معه في سرّ الصليب.‌

ه-  “جنون الصليب” الذي يؤثر المعاناة على اللذة ويضع سرور الإنسان كله في المعاناة الخارجية أو الداخلية التي توحّده بالمسيح.

3) المثابرة والثبات:

تميل فضيلة المثابرة بالإنسان في ممارسة الخير بالرغم من المصاعب التي يترتب عليها ذلك. فالبقاء بدون تأثّر وبحزم في ممارسة الفضيلة يوماً بعد يوم، يتطلّب شجاعة في الروح الذي تزوّده هذه الفضيلة. إن الفضائل جميعها تحتاج إلى مساعدة المثابرة، لأنه لولاها لا يمكن المحافظة على الفضيلة وممارستها لفترة طويلة من الزمن، ولن تبلغ أية فضيلة في النهاية إلى كمالها. وبالرغم من أن كل فضيلة هي، بالتعريف، عادة صعب إزالتها، ولذلك فهي في حدّ ذاتها صفة ثابتة، فإن الصعوبة الخاصّة التي تنشأ من إخلاص طويل في ممارسة فضيلة معيّنة تحتاج إلى فضيلة المثابرة الخاصة. وعلى كل حال فإن فضيلة المثابرة حتى لدى اكتمالها تتطلّب مساعدة خاصّة من النعمة تُدعى نعمة المثابرة. ويلخص القدّيس توما باختصار الفارق بين هذه الفضيلة والنعمة المطلوبة في ممارستها:

“للمثابرة معنى مزدوج.

أولاً إنها تشير إلى عادة المثابرة، وهي فضيلة. وبصفتها فضيلة فهي تتطلب موهبة النعمة الفعلية كما هي الحال مع الفضائل المُفاضة الأخرى.

ثانياً قد يُفهم أنه تعني فعل المثابرة التي تصمد حتى الموت، وبهذا المعنى لا تتطلّب النعمة الفعلية وحسب ولكن مساعدة الله المجانية، التي تقوّي الإنسان في الخير حتى نهاية حياته”.

إن السبب في ضرورة نعمة خاصّة من الله لضمان مثابرتنا هو أن النعمة المبرّرة أو الفعليّة لا تغيّر إرادتنا الحرّة، بمعنى أن النعمة وحدها هي الضمان من أن الإنسان الصالح لا يُخطئ أبداً. فمهما كنّا عادلين ومهما كنّا كاملين، فإننا دائماً قادرون على ارتكاب الخطيئة، ولذلك السبب، فنحن نحتاج فوق فضيلة المثابرة المُفاضة، النعمة الخاصّة للخلاص الأبدي الذي يدعوه مجمع ترانت “بالعطية الكبيرة”.

يرتبط الثبات ارتباطاً وثيقاً بفضيلة المثابرة، ولكنها تختلف عن الأخيرة بسبب صعوبة خاصّة يجب التغلّب عليها. إن الصفة الأساسية للمثابرة هي أنها تزوّد النفس بالحزم والقوة أمام الصعوبات التي تُعيق استمرارية العيش في حياة فاضلة. بينما الثبات يقوّي النفس ضد الصعوبات المنطلقة من أيّة صعوبة خارجية كتأثير المثل السيء أو الإغراءات الخاصّة من الخارج.

ثالثاً: الوسائل لتنمية فضيلة الشجاعة

إن الوسائل الرئيسية في نمو فضيلة الشجاعة وفي تلك الفضائل المتعلّقة بها هي كما يلي:

1- التوسّل دائماً إلى الله بالحصول عليها، ذلك إنه بالرغم من صحة انطباق ذلك على الفضائل جميعها، إن عطية فائقة الطبيعة تأتي من عند الله (يع17:1) عندما تصبح المسألة متعلقة بفضيلة الشجاعة، نحتاج معونة الله الخاصّة، بسبب انحلال وضعف الطبيعة الإنسانية التي جرحتها الخطيئة. فبدون معونة الله لا نستطيع أن نفعل أي شيء (فل13:4). ولذلك السبب يصرّ الكتاب المقدّس باستمرار على ضرورة طلب المساعدة من الله، الذي هو قوتنا.

2- المعرفة المُسبقة بالصعوبات التي سنواجهها في عيش حياة الفضيلة. يوصي القدّيس توما بهذه الممارسة لجميع المسيحيين، وخصوصاً أولئك الذين لم يكتسبوا عادة العمل بشجاعة. وبهذه الطريقة يتغلّب الإنسان تدريجياً على خوفه، وعندما تقوم صعاب فعلاً، سيتغلّب عليها بسهولة أكبر بكثير مما توقعها.

3- قبول إزعاجات الحياة اليومية بروح سخيّة. تُصاحب كل مهنة في الحياة بصلبانها وصعوباتها الخاصّة، حتى ولو كان ذلك مجرّد الرتابة والملل الكائنين في نشاطات الفرد اليومية. فإذا لم نتعلّم قبول المنغصات والمحن الصغيرة التي لابد منها في الحياة اليومية، مثل البرد والحرارة، والألم والمشقة، والأمراض والأوجاع الصغيرة والتناقضات، فإننا لن نحقق أي تقدّم في اكتساب فضيلة الشجاعة المسيحية.

4- التأمّل باستمرار حول آلام المسيح وموته. ليس من شيء يُحيي ويُعزّي النفوس كالتأمّل في بطولة المسيح. كان رجل أوجاع وعارف بالألم (أش3:53)، وترك لنا مثالاً للمعاناة حتى نتبع خطواته. فمهما عظُمت معاناتنا نفساً وجسداً، نستطيع أن نرفع عيوننا نحو الصليب، وسيعطينا المسيح الشجاعة على تحمّلها. ومن المفيد أيضاً تذكّر معاناة مريم العميقة التي قيل عنها: « يا جميع عابري الطريق تأمّلوا وانظروا هل من ألم كألمي»(مرا 12:1).

5- تقوية حبنا لله. الحب القوي كالموت (نش6:8) وهو لا يفرز أي عقبة في السعي لإرضاء المحبوب. وهذا هو الذي أعطى القدّيس بولس الشجاعة الفائقة الطبيعة تغلّب بها على البليّة، والكرب، والاضطهاد، والجوع، والخطر، والسيف. « ولكننا في ذلك كله فُزنا فوزاً مبيناً بالذي أحبّنا» (روم 37:8). فعندما يحب الإنسان الله بصدق لا يجد صعوبات في خدمته، ويصبح الضعف نفسه في الإنسان أساساً للرجاء فيه.

« حسبك نعمتي، فإن القدرة تبلغ الكمال في الضعف… لأني عندما أكون ضعيفاً أكون قوياً» (2قور 9:12-10).